كلمة الخارج في هذا السياق واسعة ومفتوحة على كل الجهات التي تحيط بأي وطن من أوطان العالم التي تعتز باستقلالها وسيادتها وهويتها، فهو
–أي الخارج- وفقاً للتجارب المريرة لا يهتم إلاَّ بمصالحه ولا بفكر بعيداً عن هذه المصالح التي تملي عليه مواقف مؤقتة وخاضعة لحسابات خاصة ومتغيرة، ولم يعان شعب في العالم من الخارج بمفهومه التسلطي كما يعاني الشعب العربي. صحيح أن العالم الثالث كله كان وما يزال رهينة في يد هذا الخارج المتسلط يلعب بشعوبه كما يشاء ويفرض عليها من الحروب والانشقاقات والتحالفات ما يشاء، إلاَّ أن تأثيره على الشعب العربي كان أوضح وأقسى أو بالأحرى أن الهيمنة الخارجية هي التي أبقته في حالة من التخلف المريع لكي تستمر علاقته بالخارج بوصفه المعلم والقدوة والحامي الذي يحرس المصالح ويدافع عن الحدود، والمؤسف بل والجارح أننا نحن العرب لم نكتشف حتى الآن هذه الحقيقة التي باتت عارية ومفضوحة لدى البسطاء من الناس لكنها لم تتضح بما فيه الكفاية للساسة ومنظريهم المثقلين بخيرات قديمة ومرتهنة لهذا الخارج.
وتجدر الإشارة إلى أن "القوى العظمى" من الكلمات المضللة والخادعة التي تجعل غالبية الساسة يضعون أيديهم على قلوبهم عندما ينطقونها، في حين أن كل شعب يثق بنفسه وبإرادته هو قوة عظمى حتى وإن كان فقيراً بالمعنى المادي السائد للكلمة وهو يستطيع أن يكون هذه القوة العظمى إذا أحسن إدارة موارده الذاتية واعتمد على نفسه وحافظ على كرامته وسيادته، وإذا فعل ذلك فإن تلك القوى المسماة بالعظمى ستوليه اهتمامها وتحسب لوجوده أهم حساب، وعلى العكس من ذلك حين تتهافت الشعوب على استرضاء الخارج الممثل بهذه القوى وتبدي المزيد من الاستخذاء والركوع السياسي والاقتصادي. وهذا ما نعتقد أن أقطارنا العربية –باستثناءات نادرة- ذاهبة إليه ومغرقة في الانجذاب نحوه غير مدركة أبعاد ما ينالها من إذلال وهوان ومن فقدان مستمر للسيادة الوطنية ومقوماتها.
كثيرة هي الدراسات العلمية التي تناولت المسائل المتعلقة بدور الخارج في إعاقة نهوض بعض الشعوب في العالم، ومنها شعبنا العربي. وقد توصلت إلى أن أهم الأسباب تعود إلى تعليق أحلام هذه الشعوب على الخارج وعلى ما يبديه من نوايا في تطويرها وبما يتبرع به من نصائح سياسية واقتصادية وما يقوم به من إشراف مباشر على تنفيذ بعض المشاريع الخدمية التي ثبت فشلها وأنها لم تكن لمزيد من التدخل في الشأن الوطني والوقوف في وجه كل محاولة جادة للتغير والخروج من دائرة التخلف وتبعاته المعيقة للتطور، وقد ظلت الشعوب المسماة بالنامية والخاضعة للهيمنة الخارجية توصف بالنائمة تأكيداً على فشل عمليات التنمية المتلازمة مع التبعية وما يترتب عليها من استنـزاف للقدرات المحلية. وهكذا بدلاً عن أن تتطور هذه الشعوب صعوداً انعكس حالها وصار تطورها سقوطاً.
وتحضر إلى ذهني الآن الجملة البديعة التي تتردد كثيراً على ألسنة المفكرين والعلماء، وهي "إن الله لا يساعد من لا يساعد نفسه" وهي جملة صادقة الدلالة واضحة المعنى تحث الشعوب كما الأفراد على الاعتماد على النفس وبذل أقصى جهد لتخطي الحواجز التي تحول دون الوصول إلى تحقيق التغيرات المستقبلية دون انتظار قد يطول لمساعدة الآخر، وهو بالنسبة لنا الخارج الذي أفسد كل صلة لنا بالواقع واحتمالاته الواعدة، وربما كان السير ببطء وتدرج إلى ما نحلم بالوصول إليه بأنفسنا ولانفسنا أجدى وأهم وأسرع من الانتظار لما سيقدم الخارج الذي تحددت مهمته وصارت واضحة وغير قابلة للتبرير أو التعديل بوصفه أداة إعاقة لكل محاولة صادقة في التقدم والتنمية، ولا يمكن تحت أي اعتبار النظر إلى موقف الخارج كحالة مؤقتة قابلة للتغير وإنما هو محصلة نـزعة ذات مفهوم مصلحي استعلائي بات أكثر من جلي وواضح.