طارق حجي
...
...
يؤسس الكاتب والإعلامي السعودي جمال خاقشجي في كتاباته لما أطلق
عليه شخصيا مدرسة “الاستشراق الخليجي في تناول الشأن المصري”!
لغة هذه الكتابات تشعرك أنهم يتحدثون عن سريلانكا أو موزمبيق، يتناولون الشأن المصري باستكبار وتعال مدهشين، لا تعرف مصدرهما ولا مبررهما. يتحدثون عن الفقر وعن تردي الأحوال الاقتصادية وعن الخلافات السياسية بنفس لغة الكتاب الغربيين عن جمهوريات الموز.
هم في نهاية المطاف يبدون كـ”خواجات” يرتدون برانيط، لا عربا بغترة وشماغ.
استكمل السيد خاقشجي، وهو كاتب من العيار الثقيل، سلسلة كتاباته الاستشراقية في جريدة الحياة، بمقال معنون بـ” حتى لا تسقط مصر في فخ داعش”، ومفاد المقال أن العرب يحبون مصر المسكينة المتواضعة القدرات العسكرية والمأزومة الأحوال السياسية، لذلك يربأون بها أن تورط نفسها في فخ حرب مفتوحة مع داعش المتوحشة.
وبمعزل عن الحكم المتعسف الذي قفز إليه خاشقجي، ينبغي مناقشة الدلائل التي ساقها وصولا لمثل هذه القناعات.
يقول الكاتب السعودي الشهير: “الرئيس السيسي اكتفى بغارات جوية على ما وصفه معاقل «داعش» في درنة. بعض الإعلاميين المصريين ذهبوا إلى حد التأكيد أن الغارات أصابت بدقة عدداً من الإرهابيين الذين نفذوا جريمة الذبح”.
وهنا أعيب على صحفي مخضرم كالأستاذ جمال، ألا يفرق بين البيان الرسمي الصادر عن جيش مصر الذي يقول أن الأهداف أصيبت بدقة، وبين رواية الإعلاميين المصريين الناقلين عن البيان الرسمي للمؤسسة العسكرية، في محاولة منه للإيحاء بأن إصابة الأهداف، مجرد تهويل إعلامي لا حقيقة عسكرية جلية.
لكنني من ناحية أخرى سأترك له حق اعتبار أن ضرب “معاقل داعش” هو مجرد “وصف” من الرئيس المصري لا معلومة مؤكدة من رأس الدولة.
غير أن السؤال يطرح نفسه على الصحفي الكبير: إذا كنت لا تقتنع برواية مصر الرسمية وتذهب إلى نسبها للإعلاميين المصريين بغرض التشكيك فيها، فما هي الرواية الأخرى التي تعتمدها بينك وبين نفسك؟ واستنادًا لأي مصدر؟ وإذا كنت لا تقف في صف مصر في حربها ضد داعش، ففي أي صف تقف؟ (هذه أسئلة استفهامية بالمناسبة، لا استنكارية).
(2)
يحق للصحفي أن يتشكك في رواية أحادية المصدر، لكن لا يحق له خلط الأوراق حين ينسبها إلى غير مصدرها لتسريب هواجسه المشككة فيها.
يضيف الأستاذ جمال: “الخبراء يعلمون أن القصف الدقيق الذي يصيب مكاناً بعينه حددته استخبارات مسبقة يحتاج إلى «قنابل ذكية» أو طيار مغامر يقصف من علو منخفض، وكل ذلك غير متوافر، فسلاح الجو المصري وكذلك الأردني الذي سبقه في قصف مواقع «داعش» يفتقدان القنابل الذكية، والطيران المنخفض تكلفته باهظة بعد حادثة سقوط طائرة الطيار الأردني معاذ الكساسبة وأسره، وبقية القصة المأسوية معروفة، وبالتأكيد لا يريد المصريون تكرارها، ولكن «داعش» يتمنى ذلك”.
وهنا أود أن أستفسر من الفيلد مارشال خاشقجي: من قال لك أن مصر لا تمتلك “قنابل ذكية”؟ ومن قال إن الطيارين المصريين لم يقصفوا من على ارتفاع منخفض؟ ومن قال إن التكلفة التي وصفتها بـ”الباهظة” لا تتحسب مصر لها؟
من البرنيطة للخوذة، يتحول المستر خاشقجي إلى الجنرال خاشقجي، ليشكك في قدرات مصر من كل ناحية عنً له أن يشكك فيها، دون خلفية داعمه لتشكيكاته ودون سند منطقي لمعاداته للرواية المصرية الرسمية.
لن أتحدث عن معارفه العسكرية التي يبدو أنها تفوق معارف قادة الجيش المصري والجيش السعودي مجتمعين، لكنني فهمت منها أنه يقضي وقت فراغه في ضرب أهداف عسكرية معادية لبلاده، إما بالتحليق المنخفض الذي تمتلك الرياض ترف تنفيذه، أو بقنابل ذكية من تلك التي تباع في مولات جدة ومتاجرها. لذلك فالرجل يتحدث عن معرفة عميقة لا ألومه عليها.
لا أسوق الرواية المصرية الرسمية (على لسان رئيسها، ووفقا لبيان جيشها) على أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (رغم إيماني بصدقها حرفيا)، غير أنني أندهش من الالتفاف حواليها ومحاولة اختراع ثغرات تشكك في صدقيتها لأجل اللاشيء تقريبا، سوى استكمال مشروع كتابي يقول بأن مصر بائسة فوق ما يتخيل الجميع!
ومتجردا –بصورة مؤقتة- من مصريتي ومن تصديقي لرواية جيشها، أضع بيني وبين القاريء وبين الأدميرال جمال، تقرير فوكس نيوز الأمريكية عن الضربة المصرية وعن الأداء العسكري والسياسي المصري، ليقرأ بنفسه الإعجاب والغيرة والاندهاش في أداء مصر.
والتقرير ينقل عن عسكريين فعليين، لا عن خيالات وتساؤلات لجوجة كتلك التي أوردها الكولونيل جمال.
(3)
الفكرة المحورية في مقال خاقشجي، يسوقها في آخر سطوره: “لدى مصر ما يكفيها من المشكلات، ومحبة مصر أن نبعدها وننصحها بعدم الوقوع في «نكسة» أخرى”.
مع تنصيصه كلمة “نكسة” للتذكير بهزيمة مصر العسكرية في 67، كان قد تأكد لدي بأن الكاتب السعودي، يلف ويدور وصولا لهذا التذكير. ورغم عدم وجود أي وجه تشابه بين كل مفردات وإحداثيات اللحظة وبين يونيو 67 إلا أن خاشقجي يصر على استدعاء “النكسة” وإسقاط تداعيتها النفسية على العمل العسكري المصري المباغت للجميع، تشكيكًا وتقليلا.
وهنا يكون من الإنصاف أن يتوجه السيد خاشقجي بتشكيكاته لصانع القرار السعودي (الذي يقال أن كاتبنا الهمام مقرب منه ومعبر عن وجهات نظره، أو جهة نظره أحد أجنحته) بهذا المقال ليحذره من الجيش المصري (الذي انتكس قبل نحو نصف قرن!) مخوفا من الاستعانة به سندًا وظهيرًا.
خاصة وأن التقارير الدولية تتوالى عن استعانة المملكة بالجيش المصري لتأمين حدودها مع العراق انتظارا لبناء جدار عازل بطول حدود السعودية مع العراق، تحسبا للهجمات الإرهابية.
وعليه أن يسرع برفع هذا المقال للقيادات السعكرية السعودية، قبل أن تتورط في الاستعانة بالجيش المصري في دعم موقفها، تحسبا لأي قلاقل حدودية مع اليمن بعد امتطاء الحوثيين عرش بلقيس وتهديدهم المباشر للنظام السعودي. فهناك تقارير صحفية أخرى متواترة في هذا الصدد.
أسرع جمال بمقالاتك، قبل أن يتورط الجندي السعودي الباسل في الاستعانة بالجيش المصري الخائب لتأمين حدوده مع اليمن، ولسد ثغراته العسكرية مع العراق. أسرع قبل أن تستأنف المملكة مناوراتها العسكرية البحرية مع مصر.
أسرع قبل أن تستعين بالجيش المصري لتأمينك شخصيا من إيران التي تحاصر المملكة عراقا ويمنا ولبنانا وسوريا، فطياروه لا يحلقون على ارتفاعات منخفضة ولا يمتلكون قنابل ذكية..أسرع وكن لبلادك الناصح الأمين!
لغة هذه الكتابات تشعرك أنهم يتحدثون عن سريلانكا أو موزمبيق، يتناولون الشأن المصري باستكبار وتعال مدهشين، لا تعرف مصدرهما ولا مبررهما. يتحدثون عن الفقر وعن تردي الأحوال الاقتصادية وعن الخلافات السياسية بنفس لغة الكتاب الغربيين عن جمهوريات الموز.
هم في نهاية المطاف يبدون كـ”خواجات” يرتدون برانيط، لا عربا بغترة وشماغ.
استكمل السيد خاقشجي، وهو كاتب من العيار الثقيل، سلسلة كتاباته الاستشراقية في جريدة الحياة، بمقال معنون بـ” حتى لا تسقط مصر في فخ داعش”، ومفاد المقال أن العرب يحبون مصر المسكينة المتواضعة القدرات العسكرية والمأزومة الأحوال السياسية، لذلك يربأون بها أن تورط نفسها في فخ حرب مفتوحة مع داعش المتوحشة.
وبمعزل عن الحكم المتعسف الذي قفز إليه خاشقجي، ينبغي مناقشة الدلائل التي ساقها وصولا لمثل هذه القناعات.
يقول الكاتب السعودي الشهير: “الرئيس السيسي اكتفى بغارات جوية على ما وصفه معاقل «داعش» في درنة. بعض الإعلاميين المصريين ذهبوا إلى حد التأكيد أن الغارات أصابت بدقة عدداً من الإرهابيين الذين نفذوا جريمة الذبح”.
وهنا أعيب على صحفي مخضرم كالأستاذ جمال، ألا يفرق بين البيان الرسمي الصادر عن جيش مصر الذي يقول أن الأهداف أصيبت بدقة، وبين رواية الإعلاميين المصريين الناقلين عن البيان الرسمي للمؤسسة العسكرية، في محاولة منه للإيحاء بأن إصابة الأهداف، مجرد تهويل إعلامي لا حقيقة عسكرية جلية.
لكنني من ناحية أخرى سأترك له حق اعتبار أن ضرب “معاقل داعش” هو مجرد “وصف” من الرئيس المصري لا معلومة مؤكدة من رأس الدولة.
غير أن السؤال يطرح نفسه على الصحفي الكبير: إذا كنت لا تقتنع برواية مصر الرسمية وتذهب إلى نسبها للإعلاميين المصريين بغرض التشكيك فيها، فما هي الرواية الأخرى التي تعتمدها بينك وبين نفسك؟ واستنادًا لأي مصدر؟ وإذا كنت لا تقف في صف مصر في حربها ضد داعش، ففي أي صف تقف؟ (هذه أسئلة استفهامية بالمناسبة، لا استنكارية).
(2)
يحق للصحفي أن يتشكك في رواية أحادية المصدر، لكن لا يحق له خلط الأوراق حين ينسبها إلى غير مصدرها لتسريب هواجسه المشككة فيها.
يضيف الأستاذ جمال: “الخبراء يعلمون أن القصف الدقيق الذي يصيب مكاناً بعينه حددته استخبارات مسبقة يحتاج إلى «قنابل ذكية» أو طيار مغامر يقصف من علو منخفض، وكل ذلك غير متوافر، فسلاح الجو المصري وكذلك الأردني الذي سبقه في قصف مواقع «داعش» يفتقدان القنابل الذكية، والطيران المنخفض تكلفته باهظة بعد حادثة سقوط طائرة الطيار الأردني معاذ الكساسبة وأسره، وبقية القصة المأسوية معروفة، وبالتأكيد لا يريد المصريون تكرارها، ولكن «داعش» يتمنى ذلك”.
وهنا أود أن أستفسر من الفيلد مارشال خاشقجي: من قال لك أن مصر لا تمتلك “قنابل ذكية”؟ ومن قال إن الطيارين المصريين لم يقصفوا من على ارتفاع منخفض؟ ومن قال إن التكلفة التي وصفتها بـ”الباهظة” لا تتحسب مصر لها؟
من البرنيطة للخوذة، يتحول المستر خاشقجي إلى الجنرال خاشقجي، ليشكك في قدرات مصر من كل ناحية عنً له أن يشكك فيها، دون خلفية داعمه لتشكيكاته ودون سند منطقي لمعاداته للرواية المصرية الرسمية.
لن أتحدث عن معارفه العسكرية التي يبدو أنها تفوق معارف قادة الجيش المصري والجيش السعودي مجتمعين، لكنني فهمت منها أنه يقضي وقت فراغه في ضرب أهداف عسكرية معادية لبلاده، إما بالتحليق المنخفض الذي تمتلك الرياض ترف تنفيذه، أو بقنابل ذكية من تلك التي تباع في مولات جدة ومتاجرها. لذلك فالرجل يتحدث عن معرفة عميقة لا ألومه عليها.
لا أسوق الرواية المصرية الرسمية (على لسان رئيسها، ووفقا لبيان جيشها) على أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (رغم إيماني بصدقها حرفيا)، غير أنني أندهش من الالتفاف حواليها ومحاولة اختراع ثغرات تشكك في صدقيتها لأجل اللاشيء تقريبا، سوى استكمال مشروع كتابي يقول بأن مصر بائسة فوق ما يتخيل الجميع!
ومتجردا –بصورة مؤقتة- من مصريتي ومن تصديقي لرواية جيشها، أضع بيني وبين القاريء وبين الأدميرال جمال، تقرير فوكس نيوز الأمريكية عن الضربة المصرية وعن الأداء العسكري والسياسي المصري، ليقرأ بنفسه الإعجاب والغيرة والاندهاش في أداء مصر.
والتقرير ينقل عن عسكريين فعليين، لا عن خيالات وتساؤلات لجوجة كتلك التي أوردها الكولونيل جمال.
(3)
الفكرة المحورية في مقال خاقشجي، يسوقها في آخر سطوره: “لدى مصر ما يكفيها من المشكلات، ومحبة مصر أن نبعدها وننصحها بعدم الوقوع في «نكسة» أخرى”.
مع تنصيصه كلمة “نكسة” للتذكير بهزيمة مصر العسكرية في 67، كان قد تأكد لدي بأن الكاتب السعودي، يلف ويدور وصولا لهذا التذكير. ورغم عدم وجود أي وجه تشابه بين كل مفردات وإحداثيات اللحظة وبين يونيو 67 إلا أن خاشقجي يصر على استدعاء “النكسة” وإسقاط تداعيتها النفسية على العمل العسكري المصري المباغت للجميع، تشكيكًا وتقليلا.
وهنا يكون من الإنصاف أن يتوجه السيد خاشقجي بتشكيكاته لصانع القرار السعودي (الذي يقال أن كاتبنا الهمام مقرب منه ومعبر عن وجهات نظره، أو جهة نظره أحد أجنحته) بهذا المقال ليحذره من الجيش المصري (الذي انتكس قبل نحو نصف قرن!) مخوفا من الاستعانة به سندًا وظهيرًا.
خاصة وأن التقارير الدولية تتوالى عن استعانة المملكة بالجيش المصري لتأمين حدودها مع العراق انتظارا لبناء جدار عازل بطول حدود السعودية مع العراق، تحسبا للهجمات الإرهابية.
وعليه أن يسرع برفع هذا المقال للقيادات السعكرية السعودية، قبل أن تتورط في الاستعانة بالجيش المصري في دعم موقفها، تحسبا لأي قلاقل حدودية مع اليمن بعد امتطاء الحوثيين عرش بلقيس وتهديدهم المباشر للنظام السعودي. فهناك تقارير صحفية أخرى متواترة في هذا الصدد.
أسرع جمال بمقالاتك، قبل أن يتورط الجندي السعودي الباسل في الاستعانة بالجيش المصري الخائب لتأمين حدوده مع اليمن، ولسد ثغراته العسكرية مع العراق. أسرع قبل أن تستأنف المملكة مناوراتها العسكرية البحرية مع مصر.
أسرع قبل أن تستعين بالجيش المصري لتأمينك شخصيا من إيران التي تحاصر المملكة عراقا ويمنا ولبنانا وسوريا، فطياروه لا يحلقون على ارتفاعات منخفضة ولا يمتلكون قنابل ذكية..أسرع وكن لبلادك الناصح الأمين!