...
منذ ثلاث سنوات ونحن ندور حول أنفسنا ولا نريد أن نعترف بكامل وعينا أننا قد فشلنا وأن العملية الانتقالية التي كانت بمثابة محطة لتصويب الأوضاع وإخراج البلاد من أزمة ( الربيع العربي )إلى المسار الآمن قد وصلت إلى نفق مسدود وانه قد جاء علينا اليوم الذي نتساءل فيه : ما الذي يجمعنا ؟ أهو اليمن ؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا أصبح هذا اليمن في نظر بعض أبنائه من النخبة أو العامة مجرد كلمة حق يراد بها باطل إلى الحد الذي وجدنا فيه أن كل واحد يشعر في داخله بأنه يمن قائم بذاته أو وطن اكبر من الوطن نفسه . إلى الآن لا يستطيع احد منا أن يزعم أن اليمن الذي قامت فيه ثورتان أو انتفاضتان إحداهما في 11 فبراير 2011 ، والثانية في 21 سبتمبر 2014م، قد تمكن من خلال إحداهما أو كلتاهما أن يصبح يمناً جامعاً تذوب فيه كل الانقسامات والصراعات والنعرات والتخندقات الضيقة التي تفوح منها نوازع الأحقاد والضغائن والعصبيات القبلية والمذهبية والجهوية بل انه وعلى العكس من كل الأطروحات التي تتبارى فيها القوى السياسية صباحا ومساء عبر وسائل الإعلام فإن اليمن الذي كنا نحلم به يبدو اليوم أكثر تشظياً وانقساماً بفعل إيغال أبنائه في تدميره وهدم كل بناء فيه وانسياقهم دون وعي إلى أفساده بالحرائق والأدخنة والأزمات المتناسلة التي كلما تجاوز إحداها برزت أخرى اشد ضراوة من سابقتها . وما يدهشني أن هناك من اليمنيين من يصر على أن الصراع في اليمن هو في حقيقته صراع إقليمي وان القوى السياسية اليمنية ليست أكثر من واجهة في هذا الصراع ، وحتى وان كان مثل هذا الاعتقاد صحيحاً فإنه الذي يصبح اعتقاداً ساذجاً إذا استخدم كشماعة للهروب من المسؤولية وتبرير فشل وإخفاق القوى السياسية التي بلا شك أن أهدافها كانت حاضرة في هذا الصراع إن لم تكن بمواقفها المتصلبة قد أسهمت في تدويل الأزمة اليمنية وتداخلها وتشابكها مع أزمات إقليمية أخرى في المنطقة. لن تضار القوى والمكونات الفاعلة في الساحة اليمنية إن اعترفت بفشلها في بناء الوطن الجامع ، وأقرت أيضا بأن انقساماتها قد اظهرتها كفريقين واحد يحرق هذا الوطن بالأزمات والفتن وآخر يغرقه بخراطيم المياه الطافحة من بيارات المجاري ، بل انه وخلافاً لما يعتقده البعض ستعيد بهذا الاعتراف إن اقترن بالمصداقية ثقة الناس بها وتفتح الباب أيضا لاستلهام الحلول للأزمات المتفاقمة ، ناهيك عن أنها بهذا العمل الايجابي ستهيئ لكل فرص الانفراج والخروج من عنق الزجاجة والتغلب على المصاعب والمعضلات التي رافقت المرحلة الانتقالية. ولن تضار هذه القوى والمكونات إذا ما امتلكت الجرأة الأدبية وخرجت على الناس لتقول : ( فشلت ) ولن تفقد مكانتها إذا ما اتجهت إلى محاسبة الذات وأدركت أنها بفعل خلافاتها المستمرة قد تسببت في الإيقاع بهذا البلد بين خرابين ، خراب من يحرق وخراب من يغرق ، ليجد نفسه كالمستجير من الرمضاء بالنار فليس من العيب الاعتراف بالخطأ وإنما العيب في الإصرار على ارتكاب الأخطاء وبالذات في وقت يرى فيه الجميع اليمن ينقسم انقساما حاداً قد يدفعه إلى منزلق حرب أهلية ستحرق نارها كل أمل لإعادة هذا البلد إلى سكة الاستقرار والأمن والسلام في المستقبل المنظور . لن يغفر البعض الخطايا التي أدخلت اليمن في المأزق الراهن غير أن الكثيرين سيحترمون مبدأ الإقرار بالخطأ وشجاعة من يقدمون عليه على اعتبار أن خطوة كهذه ستمثل البداية الصحيحة لإنقاذ اليمن وانتشاله من مستنقع الصراع والتفكك والانقسام كما ان المواطن اليمني الذي دفع الثمن غالياً خلال الثلاث السنوات الماضية وقبل بأنصاف الحلول في هذه المرحلة الحرجة لن يقبل بعد اليوم بذلك بعد أن تعمقت معاناته وصارت فوق الاحتمال. في ضوء خطورة الراهن يمكن أن يترك للتاريخ مسألة تحميل اللوم على ما حدث ويحدث اليوم في اليمن إذا ما ارتفعت كافة القوى والأطراف الفاعلة في المشهد السياسي إلى مستوى الخطر الذي يستهدف الكيان اليمني برمته وأقلعت هذه القوى عن المتاجرة بهموم الناس واتجهت بصدق إلى إخراجهم من لعبة التأزيم وحتمية الانصياع لقهر الأمر الواقع .