GuidePedia



...
ما الجديد سوى السمنة والإسمنت والنقاب والأحزمة الناسفة.. وأشياء من هذا القبيل لا تتجاوز التخلي عن إيجابيات، وتطوير سلبيات، واكتساب سلبيات جديدة..!؟! 
هي "جاهلية حديثة"، ولا أصدر فتوى تكفيرية كالتي أرسلها أبو أعلى المودودي ثم "سيد قطب" تمهيداً لداعش، لكن، ومن زاوية مختلفة تماماً. لا يخلو المصطلح من مقاربة وجيهة للحياة العربية الراهنة. 
الاغتيالات التي كانت تتم بالسهام، صارت تتم بالبنادق المجهزة بالليزر، وبدلا من اضمحلال ظاهرة الثأر، تطورت أسلحته البيضاء الباردة إلى الأسلحة النارية الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.!
القبيلي الشهم بات يقتل ضيوفه، وخاطفو الغنم صاروا يخطفون السياح والدبلوماسيين، وقطاع طرق القوافل صار يقطعون طرق القاطرات والسفن، ويفجرون أنابيب النفط، ويقطّعون خطوط الاتصالات وكابلات الكهرباء..!
المرأة التي كانت شرفاً صارت عارا، كانت سافرة كالفجر، دؤوبة كالنحلة، سيدة مجتمع تعاوني مختلط، فكُفّنت بالسواد، وفرضت عليها الإقامة الجبرية، بعيدا عن العمل والانتاج والمجتمع والحياة..!
البدوي ظل بدويا، جلب الاسمنت والاسفلت.. ورفض الفكر والعقل الحديث الذي جعل من القار الذي كان يطلي به إبله ذهبا أسود..! 
والحروب هي هي، ولذات الأسباب تقريبا، والفرق أن عرب الجاهلية كانوا يسمون أيام معاركهم بمثل "يوم الفجار ويوم الغبار ويوم البردان، ويوم الكُلاب ويوم حليمة ويوم اليحاميم.." أحصى بعضهم منها ألفًا وسبعمائة يوم، "حرب"، فيما لم نعد نهتم بالتسميات.. 
النفط بدوره جعل القوى العالمية تصطف خلف الخنادق القبلية، وثورة المعلومات تنقل مباشرة وقائع الغارات البدوية التي تتم بأعنف الأسلحة وأفتك مبتكرات التكنولوجيا..!
قواعد السياسة أمست أشبه ما تكون بقواعد اشتباك، التعددية أصابت التنوع العفوي بالسعار، وأحالت الاختلافات الروتينية، إلى خلافات دامية وخنادق حرب.. ! 
الحرية وفرت للفوضى مسمى راقيا، والإيديولوجيات الحديثة، أنعشت أشكالا متنحية ومنقرضة من الشموليات، وضخ النفط دماء جديدة في أفكار كانت ميتة حتى في زمانها.!
ما الجديد إذاً سوى أن الحداثة جعلت القدامة أقوى وأكثر ضراوة، وأن الحضارة الحديثة التي مدّنت الغابات، انكسرت على صخرة المناعة والممانعة العربية، وتحولت إلى خاتم سحري في أصابعها المرتعشة المعروقة..؟!
للأسف، هذا هو الواقع العربي السيئ، أصالة ممسوخة وحداثة مشوهة، المعاصرة والحرية والثورة والتعددية والإيديولوجيا والتكنولوجيا .. كل هذه الأسماء عزلت عن مسمياتها والعقليات التي أنتجتها، وسياقها العصري، وأفرغت من مضامينها البناءة في السياق العربي، لتصبح أسلحة دمار شامل..!

Facebook Comments APPID

 
Top