" وان جاهداك على ان تشرك بما ليس لك به علم (فأطعهما ) وصاحبهما في الدنيا معروفا " .
هكذا -صغيراً - أحدثت أول تشويه للقرآن عن قناعة تامة ، وكنت أشعر حينها " فلا تطعهما " كبيرة جداً بحق ملاكان كانا سبب وجودي ، وأراهما - وقد تقدمت بي السنون - لا ينطقان عن الهوى ، ليس مثلهما أحد ، لا يخطئان كرب العالمين تماما .
صغيراً نسج خيالي القصص الكثيرة لبطولات " أبي وأمي " ، كنت أثق تماما بأنهما السبب الأوحد لتوازن هذا الكون ، ولا لوم على من ايقن ان والديه هما الكون وأكثر .
صغيراً ، بحثت في فهرس الختمة ، عن سورة في القرآن تحمل اسم " أمي" ، لم أجدها " هود ، طه ، محمد ، يوسف ، نوح .. )، مريم !
اه مريم العذراء ام يسوع المخلص ! تلك المرأة التي كابدت كل صروف القهر " يا لتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا " ، " مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا " ، أوجعك جداً ذاك المجتمع وأتوجع لأجلك ،
هزي بجذع الوجع ، هزي الالم ، هزي هذا الحسام القاطع عن خاصرتك ، ااه يا ايتها الأم التي جاءك المخاض ، وجاءتك أثام القبيلة " ما فعلت يا بنت الكرام ! " من اين حبلت بهذا ال " الزنوة " ؟
بالكاد أهرب من مريم ومن عذابات أم حملت في بطنها " خلاص " ، كلمة الله في احشاءها ،
لماذا يا الله لم تنزل سورة باسم أمي ؟
كنت أود الموت في مقتبل العمر قبل المزيد من الخطايا لأداعب الله واعاتبه ، ولأخبره بأن هناك فرصة مازالت قائمة ليكرم أمي أكثر .
ايقنت ان موتي هو أكبر خطيئة يمكن للقدر ان يرتكبها بحق أمي .. فعلها سابقاً بسلب بكرها ، ولم اك لاتفهم كيف تجرأ على حرق قلبها .
كانت تحكي لنا تفاصيل تلك الثلاث السنوات التي احتضنت فيها بكرها ثم جاء الموت على هيئة " ابرة " بيد طبيب لعين ، اوقفت قلبه . تتجمع الدموع في عينها ، لأصرخ في اعماقي " ما أظلمك يا موت ! ، وما أقبحك ايها القدر ! "
عندما مات ابي " رحمه الله " بكت أمي بكاء يكفي لكل أموات الكون ، سراً ذهبت لأصلي وحكيت مع الله كما لم افعل طيلة حياتي " كان قريبا جداً ، عاتبته بحرقة عن فعلته الشنعاء هذه ، وقد كنت أسمع مجاميع كماكم الان تتحدث عن التسليم بالاقدار ، والصبر على ما كتبه الله ! ، عجوز في قريتنا قد اكل الدهر عليها وشرب ، زف لها خبر موت ابنها الوحيد ، صرخت بلهجة قروية " حرق بك يا الله ليش أحرقت قلبي ؟ ، ليش اخذت ابني ، الله يأخذك يا الله لم سرقت ابني اللي مافيش معي غيره ؟ . انت تعلم انه مامعي حد غيره ، تأخذه ليييييش ؟ ، سقط عجازها بعد كل تلك الأوجاع والزفرات التي أوجعت السماء ، فذرفت السماء يومها مطراً غزيرا كان " دموع الملائكة ال اصاخت السمع "
صغيراً ، سألني زميلي ، من احب الينا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ام امهاتنا !
قلت له امي احب ومنها أحب الله ورسوله !
دخل استاذ الديانة ، وشكاني اليه لتستقبل اذني قرصة وتهطل عصى غليظة استقبلتها بكفي ، عقوبة هذا الجرم .
كبر صديقي ومعلمه ، وكانا يقاتلان كل من يسب امهما ، وتركا جميع من يسبون الله ورسوله واكتفيا بهمسات مهتزة " حرام ! ، اتقوا الله يا ناس !، نستفغر الله العظيم "