أحمد فرحات – صادق خنافر..
من صحراء نجد في القرن الثامن عشر، انطلقت مدرسة سلفية بالمعنى الديني، تزعمها محمد بن عبد الوهاب (1703 م – 1791 م)
، عرفت إصطلاحاً بالمدرسة السلفية المدرسية، وانتهج فكراً
متشدداً وصفه أتباعه بالمتجدد، في محاربة البدع، وأرسى قواعد في العلاقات
المجتمعية قائمة على مبادئ التوحيد والشرك، والولاء والبراء، وكان استعمال
القوة والعنف مبرراً لتحقيق هذه الأهداف.
شكلت دعوة محمد بن عبد الوهاب في العصر الحديث منطلقاً للعديد من
المدارس الدينية في العالمين العربي والإسلامي، ونهضت وازدهرت في فترات
تاريخية معينة، دعمتها وعلت من شأنها، أمام المدارس الاخرى.
وفيما ذهب البعض إلى الإعتقاد بأن الوهابية “نسبة إلى محمد عبد الوهاب” جاءت رداً على الدولة العثمانية، حيث انتشرت في حقبتها المدارس الصوفية (النقشبندية، القادرية، وغيرهما..)، يشدد العديد من الباحثين على أن الوهابية هي امتداد لفكر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، وقبلهما أحمد بن حنبل، رغم أن مدارس دينية عديدة، تقول إن الوهابية مذهب قائم بحد ذاته، غير الحنبلي.
عام (1744 م)، ظهر إلى الواجهة تحالف محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، يقوم على تقاسم السلطة بين الشيخ والأمير، وأسس هذا التحالف لقيام المملكة العربية السعودية عام (1932 م)، بعدما تمكن عبد العزيز آل سعود من الاستيلاء على مناطق حائل عام (1921) وإسقاط دولة آل رشيد، ومدن الحجاز (الطائف والمدينة المنورة) ومدن تهامة (مكة وجدة).
وقبل قيام المملكة بسنوات قليلة، وبالتحديد عام (1929 م)، اندلعت معارك عنيفة بين جنود الدعوة الوهابية (الإخوان)، وبين آل سعود، لأسباب عديدة، أبرزها علاقات الأخير المميزة مع الإنكليز (الكفار في الفكر الوهابي)، واستخدام الأجهزة التقنية الحديثة في ذلك الوقت (بدع)، وغيرها من الأسباب. وتمكن السعوديون من إنهاء حركة الإخوان بمساعدة إنكليزية، حيث قصفت الطائرات البريطانية مواقع “الإخوان”، وأنزلت بهم هزيمة كبيرة، وذلك في معركة “السبلة”.
سيطرت أفكار الإنتقام لـ”الإخوان” بعد معركة السبلة على العديد من أتباع المدرسة الوهابية، إلى أن جاء عام (1966 م)، مع تأسيس “الجماعة السلفية المحتسبة”، ومن أبرز شخصياتها جهيمان العتيبي (1936 م – 1980 م). حمل العتيبي السلاح بوجه حكام المملكة، وجعل من الحرم المكي منطلقاً لحركته، في الاول من محرم عام (1400 ه)، 20 تشرين ثاني/نوفمبر (1979 م).
قضي على حركة العتيبي وتم إعدامه، بعد عملية عسكرية داخل الحرم المكي بمساعدة قوات خاصة فرنسية استخدمت فيها الدبابات، خلفت أكثر من 250 قتيلاً، وأسر العشرات، تم إعدامهم جميعاً في وقت لاحق.
خروج العتيبي على ولاة الأمر وفق المسميات الدينية، لم يكن بالأمر المارق في تطور هذا الفكر، بل أسس لمرحلة جديدة، وانتقلت الدعوة من مدرسية إلى “حركية” أو “جهادية”، وهنا لا نقول إن جهيمان أسس لهذه المدرسة، بل أنه وضع أولى خطواتها على طريق التطبيق.
حركة جهيمان كان لها الأثر البالغ لدى أتباع الفكر الوهابي، خصوصاً لدى زعيم تنظيم القاعدة ومؤسسه أسامة بن لادن (1957 م – 2011 م)، الذي اعرب عن تضامنه مع هذه الحركة، وساءه تعامل السلطات معها، واتبع نهجاً متشدداً مع حكومة الرياض، واصفاً إياهم بـ “أصحاب الفكر الضال و الزمرة الفاسدة”.
وبعد نحو شهر على حادثة الحرم المكي، دخلت القوات السوفياتية إلى أفغانستان 27 كانون أول/ديسمبر (1979م)، وأعلن الجهاد ضد القوات الغازية في تلك البقعة التي لا تشكل أي رمزية أو قدسية للمسلمين، وزج بالشباب العربي في تلك المعركة، بتحريض وتمويل خليجي وسعودي بالأخص، في هروب إلى الأمام من قبل الأخيرة، لإحتواء تداعيات قمع حركة العتيبي. ووجدت الطبقة الحاكمة في السعودية بتلك الحرب الوسيلة الفضلى لإعادة الصبغة الدينية لحكمها، ونشط علماء الدين العرب في نشر أفكار الجهاد القائمة على المبادئ الوهابية، التكفيرية خصوصاً، إضافة إلى أفكار المصري سيد قطب (1960 م- 1966 م) صاحب نطرية “تكفير المجتمعات”.
أحداث جسام وقعت في أفغانستان، بدءاً من “هجرة المجاهدين العرب” إلى هناك، مروراً بالحرب الأهلية وحكم طالبان، وصولاً إلى الغزو الأميركي عام 2001، بعد أحداث أيلول/سبتمبر، وما تلاها من تداعيات على مجمل الأوضاع الإسلامية والعربية، الفكرية والسياسي. ولكن ما يهمنا في هذا المقال هي حركة أبو مصعب الزرقاوي (1960 م- 2006 م).
هذا الشاب الهادئ كما يقول العديد ممن عاصره أو التقاه، ذهب من الأردن إلى أفغانستان للقتال … ومن هيرات غرب أفغانستان حيث أنشأ معسكره الخاص لتدريب الشبان العرب، بدأت حكاية “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش).
الأوسط
وفيما ذهب البعض إلى الإعتقاد بأن الوهابية “نسبة إلى محمد عبد الوهاب” جاءت رداً على الدولة العثمانية، حيث انتشرت في حقبتها المدارس الصوفية (النقشبندية، القادرية، وغيرهما..)، يشدد العديد من الباحثين على أن الوهابية هي امتداد لفكر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، وقبلهما أحمد بن حنبل، رغم أن مدارس دينية عديدة، تقول إن الوهابية مذهب قائم بحد ذاته، غير الحنبلي.
عام (1744 م)، ظهر إلى الواجهة تحالف محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، يقوم على تقاسم السلطة بين الشيخ والأمير، وأسس هذا التحالف لقيام المملكة العربية السعودية عام (1932 م)، بعدما تمكن عبد العزيز آل سعود من الاستيلاء على مناطق حائل عام (1921) وإسقاط دولة آل رشيد، ومدن الحجاز (الطائف والمدينة المنورة) ومدن تهامة (مكة وجدة).
وقبل قيام المملكة بسنوات قليلة، وبالتحديد عام (1929 م)، اندلعت معارك عنيفة بين جنود الدعوة الوهابية (الإخوان)، وبين آل سعود، لأسباب عديدة، أبرزها علاقات الأخير المميزة مع الإنكليز (الكفار في الفكر الوهابي)، واستخدام الأجهزة التقنية الحديثة في ذلك الوقت (بدع)، وغيرها من الأسباب. وتمكن السعوديون من إنهاء حركة الإخوان بمساعدة إنكليزية، حيث قصفت الطائرات البريطانية مواقع “الإخوان”، وأنزلت بهم هزيمة كبيرة، وذلك في معركة “السبلة”.
سيطرت أفكار الإنتقام لـ”الإخوان” بعد معركة السبلة على العديد من أتباع المدرسة الوهابية، إلى أن جاء عام (1966 م)، مع تأسيس “الجماعة السلفية المحتسبة”، ومن أبرز شخصياتها جهيمان العتيبي (1936 م – 1980 م). حمل العتيبي السلاح بوجه حكام المملكة، وجعل من الحرم المكي منطلقاً لحركته، في الاول من محرم عام (1400 ه)، 20 تشرين ثاني/نوفمبر (1979 م).
قضي على حركة العتيبي وتم إعدامه، بعد عملية عسكرية داخل الحرم المكي بمساعدة قوات خاصة فرنسية استخدمت فيها الدبابات، خلفت أكثر من 250 قتيلاً، وأسر العشرات، تم إعدامهم جميعاً في وقت لاحق.
خروج العتيبي على ولاة الأمر وفق المسميات الدينية، لم يكن بالأمر المارق في تطور هذا الفكر، بل أسس لمرحلة جديدة، وانتقلت الدعوة من مدرسية إلى “حركية” أو “جهادية”، وهنا لا نقول إن جهيمان أسس لهذه المدرسة، بل أنه وضع أولى خطواتها على طريق التطبيق.
حركة جهيمان كان لها الأثر البالغ لدى أتباع الفكر الوهابي، خصوصاً لدى زعيم تنظيم القاعدة ومؤسسه أسامة بن لادن (1957 م – 2011 م)، الذي اعرب عن تضامنه مع هذه الحركة، وساءه تعامل السلطات معها، واتبع نهجاً متشدداً مع حكومة الرياض، واصفاً إياهم بـ “أصحاب الفكر الضال و الزمرة الفاسدة”.
وبعد نحو شهر على حادثة الحرم المكي، دخلت القوات السوفياتية إلى أفغانستان 27 كانون أول/ديسمبر (1979م)، وأعلن الجهاد ضد القوات الغازية في تلك البقعة التي لا تشكل أي رمزية أو قدسية للمسلمين، وزج بالشباب العربي في تلك المعركة، بتحريض وتمويل خليجي وسعودي بالأخص، في هروب إلى الأمام من قبل الأخيرة، لإحتواء تداعيات قمع حركة العتيبي. ووجدت الطبقة الحاكمة في السعودية بتلك الحرب الوسيلة الفضلى لإعادة الصبغة الدينية لحكمها، ونشط علماء الدين العرب في نشر أفكار الجهاد القائمة على المبادئ الوهابية، التكفيرية خصوصاً، إضافة إلى أفكار المصري سيد قطب (1960 م- 1966 م) صاحب نطرية “تكفير المجتمعات”.
أحداث جسام وقعت في أفغانستان، بدءاً من “هجرة المجاهدين العرب” إلى هناك، مروراً بالحرب الأهلية وحكم طالبان، وصولاً إلى الغزو الأميركي عام 2001، بعد أحداث أيلول/سبتمبر، وما تلاها من تداعيات على مجمل الأوضاع الإسلامية والعربية، الفكرية والسياسي. ولكن ما يهمنا في هذا المقال هي حركة أبو مصعب الزرقاوي (1960 م- 2006 م).
هذا الشاب الهادئ كما يقول العديد ممن عاصره أو التقاه، ذهب من الأردن إلى أفغانستان للقتال … ومن هيرات غرب أفغانستان حيث أنشأ معسكره الخاص لتدريب الشبان العرب، بدأت حكاية “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش).
الأوسط