GuidePedia



...
شكلت عودة الرئيس عبدربه منصور هادي الى واجهة المشهد السياسي اليمني بعد انتقاله الى عدن كبرى مدن الجنوب ومغادرته منزله المحاصر
من قبل جماعة الحوثي بصنعاء تحولا دراماتيكيا في الازمة المتصاعدة في هذا البلد وعلى النحو الذي اعاد خلط الاوراق ان لم يؤد الى ارباك
الكثير من توقعات المراقبين وتصوراتهم حيال مجريات هذه الازمة واتجاهاتها وتفاعلاتها على المستويين الداخلي والخارجي.
فالرئيس الذي وضع تحت الاقامة الجبرية في منزله بصنعاء لفترة تقارب من الشهر دخل ومنذ اليوم الثاني من وصوله الى عدن في سباق انتزاع
الشرعية مع جماعة الحوثي حيث سارع الى ابلاغ البرلمان بسحب استقالته التي قدمها في 22 من شهر يناير الماضي وإعلان تمسكه بشرعيته
رئيسا للبلاد قبل ان يلتقي لاحقا بالعديد من القيادات المدنية والعسكرية ومحافظين جنوبيين وشماليين وبعض السفراء العرب والأجانب ليصل به
الامر الى اعتبار صنعاء عاصمة محتلة من جماعة الحوثي مطالبا المجتمع الدولي برفض انقلاب هذه الجماعة على الشرعية التي يمثلها منذ ثلاث سنوات
بموجب المبادرة الخليجيه التي نقلت اليه السلطة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح في فبراير 2012.
وبين صنعاء وعدن اتسعت دائرة التناقضات ليظهر اليمن منقسما بين يمنين وعاصمتين وواجهتين سياسيتين يتصدرهما الرئيس هادي
في جانب واللجنة الثورية التابعة لجماعة الحوثي في الجانب الاخر وبما يوحي من ان البلد يعيش انفصالا غير معلن في شمال تتوسطه العاصمة
صنعاء وفي جنوب تتربع في قلبه مدينة عدن وهي الصورة التي تبدو امامها الاغلبية من اليمنيين حائرة ومترددة في خياراتها وبالذات وهي
من تعلم ان من يتمترس في صنعاء لا يمكن له الادعاء بأنه يمثل الشمال وان من يتخندق في عدن لا يمكن له القول بأنه يمثل الجنوب
وان مثل هذا الانقسام او المأزق الذي ينخر في الجسد اليمني ما كان له ان يصل الى هذا المنحى الخطير لولا انقسام القوى والمكونات
السياسية والحزبية على نفسها وانغماسها في الدفاع عن مصالحها ونزواتها الصغيرة وعدم ادراكها من ان السفينة اذا ما غرقت فإنها التي ستغرق
معها. وبمعزل عن الاتهامات المتبادلة والنفي والتأكيد حول شرعية هذا الطرف او ذاك فان التعايش بين الرئيس هادي وبين حركة انصار الله الحوثية
اصبح وبفعل تعارض المصالح والتدخلات الخارجية هو تعايش مستحيل فالرئيس هادي الذي وضع نفسه كقوة موازية للحوثيين في عدن اصبح بالنسبة
لهذه الجماعة خارج منطق الحياد الذي يخوله للعودة كرئيس لكل اليمنيين وبالتالي فان طلبه بنيل اعتراف الحوثيين به كرئيس شرعي صار ربما خارج
حسابات هذه الجماعة التي بدت مؤخرا اكثر تحفظا على دعوة الجامعة العربية لهادي للمشاركة في القمة العربية نهاية مارس الجاري وفي المقابل فان
الدعم السياسي الذي يحظى به الرئيس هادي من قبل دول الاقليم ومن خلفها بعض الدول الكبرى هو ما يجعله اكثر تشبثا بموقفه وتمسكه بشرعيته
لاقتناعه انه ما يزال الاجدر بقيادة هذا البلد المنهك بل انه من استغل قلق الدول الخليجية ومخاوفها من التغلغل الايراني في اليمن في الظهور كقائد
حريص على ابقاء اليمن في مدارها ولن يسمح لأي قوى اقليمية من خارج هذا المدار ان تسيطر او تفرض نفوذها عليها. في 21 سبتمبر
الماضي حين سقطت صنعاء في ايدي حركة انصار الله الحوثية وبعدها مدنا كبرى يمنية اخرى تقع في وسط اليمن وغربه تساءل البعض كيف
استطاعت هذه الحركة ان تخرج من معقلها في محافظة صعده وان تسيطر في مدة زمنية قصيرة على مساحة جغرافية واسعة بمثل تلك السرعة ولم
يكن من اجابة على ذلك التساؤل سوى احد الاحتمالين:
الاحتمال الاول: ان غالبية الشعب اليمني لا تؤيد المبادرة الخليجية ولا دور منظمة الامم المتحدة ولا قرارات مجلس الامن الدولي بشأن اليمن ولذلك فقد
تعاطفت مع حركة انصار الله وسهلت سيطرتها على هذه المناطق بهدف التخلص من ركام الاخفاقات التي عمقت من معاناتهم السياسية والاقتصادية
والاجتماعية وهو ما استثمرته حركة انصار الله لصالحها ومشروعها السياسي.
اما الاحتمال الثاني: ان يكون طاقم الحكم الذي تولى مقاليد الامور في المرحلة الانتقالية قد فشل في التعبير عن هموم اليمنيين وتطلعاتهم
وفشل في ادارة الدولة التي تسلمها من الرئيس السابق الامر الذي وجد فيه الناس ان اوضاعهم تزداد تدهورا وبؤسا ولذلك ارادوا معاقبة تلك السلطة
والانقلاب عليها عن طريق حركة انصار الله التي ظلت اكثر قدرة على كشف اخطاء هذه السلطة واللعب على وتر تلك الاخطاء. وفي كلا الاحتمالين
واضح ان المكاسب التي حققتها حركة انصار الله كانت ثمرة من ثمار ردات الفعل اكثر منها شيئا اخر.
أيا كانت الفرضية الاصح والأقرب للواقع في تفسير ما جرى فالأكيد ان الفرضية التي لا يمكن القفز عليها هي ان اليمن ظل يشكو تجاهل
الاقربين اليه والبعيدين منه اذ انه وبإجماع الوقائع المتراكمة فان اليمن لم يكن ليذكر في وسائل الاعلام العربية والدولية إلا في نطاق تلك الصورة
النمطية التي تختزله (بين القاعدة والقات) حيث ظل في المعادلة الاقليمية والعربية والدولية بمثابة رقم هامشي وعبء على محيطه الجغرافي والمنظومة
الاقليمية والدولية التي لم يكن فيها احد مستعد لتحمل متاعب هذا البلد الغارق في الازمات المتلاحقة حتى وان قرر السير في الطريق الذي يصل به
الى الصومال.
ومن المؤسف حقا انه وبعد ان دارت عجلة الصراع والاستقطاب في المنطقة فقد استمر هذا البلد غائبا او مغيبا في اهتمامات اشقائه العرب والخليج على
وجه التحديد رغم ادراك الجميع ان خروج اليمن من مداره سيفضي الى رسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة لا تقوى دول الخليج على تحمل
تبعاتها.
ولذلك فان حالة التدهور الذي يتخبط فيها هذا البلد على مدى ثلاث سنوات هي في حقيقتها ناتجة عن صراعات ابنائه وفشل سلطته الانتقالية
في تنفيذ المبادرة الخليجية وتطبيق مخرجات الحوار وكذا تجاهل اشقائه وإغفالهم لما قد يترتب على سقوط اليمن في دائرة الاستقطاب والتشرذم والتشظي
من مخاطر على الواقع العربي.
اليمن يمثل اليوم ساحة لامتحان عسير لأشقائه ولا نعتقد ان هولاء الاشقاء يغفلون ان اليمن يحتل موقعا جيواستراتيجيا او جيوسياسيا مهما وانه
بمثل هذا الموقع المزدوج والذي يتحكم من خلاله على مضيق باب المندب الذي يربط البحر الاحمر بالبحر الابيض المتوسط والمحيط الهادي ناهيك عن
كونه جزء لا يتجزأ من جغرافية الجزيرة العربية والخليج لو خرج عن مداره وسيطر عليه مدار اخر فإنهم الذين لن يندموا على يوم كندمهم على اليوم
الذي اضاعوا فيه اليمن
جريدة الشبيبة العمانية

Facebook Comments APPID

 
Top