GuidePedia


صحافيون لا أبواق
سامي كليب :
يلومني البعض ان انتقدت الطرف الذي ينتمي اليه. ويريدني البعض الآخر جازما في تحديد موقفي السياسي. ويعاتبني المحبون لأني غالبا ما أكون " وسطيا" او " رماديا ". ليس حيلتي في الجواب سوى القول : " اني افضل ان اكون صحافيا يحكمني ضميري لا بوقا أمجِّد هذا وأمدح ذاك " ... لماذا ؟
اولا : لانه ليس غير الله يملك الحقيقة. ولكل طرف مبرراته في الاقتتال والفتن والصراع في منطقتنا.
ثانيا: لأنه مع غرق معظم اهل الصحافة بالفتن وتحولهم الى ديكة على مزابل السياسيين والاحزاب والجماعات والأنظمة والحكام والرؤوساء والملوك والأمراء، لا بد من البحث عما يعيد لهذه المهنة شيئا من كرامتها ، وعن حقيقة ما يجري خلف هذه الواجهة من الدماء والدموع التي ندفعها من ارواحنا على موائد الآخرين.
ثالثا: لأني في مهنة الاعلام، تعلمت ان ثمة اخلاقا وشرعة اعلامية تفرض على واحدنا أن يقدم كل الآراء المحترمة مهما تنافرت وتصادمت، وان ينبذ الاحقاد ، وان يكون هدفه كما يشير اسم المهنة " اعلام " اي ان يُعلم الاخرين، لا ان يساهم في تضليلهم واقتتالهم عبر الدعاية السياسة اي " البروباغندا" التي تقتل الحقيقة خلف شعارات التمسك بالحقيقة.
رابعا : لاني تعلمت من الاف الكتب والوثائق والدراسات التي قرأتها، ان التاريخ لا يكتبه سوى المنتصرين، واننا كعرب غالبا ما انتصرنا على بعضنا البعض وتآمرنا على بعضنا البعض، والباقي تفاصيل . وغالبا ما تقدمت احلامنا واوهامنا على حقيقة واقعنا.
لي قناعاتي السياسية طبعا. وعندي ميول انسانية واخلاقية وسياسية لدعم من يسعى لرفع الظلم الانساني عن صدور اخوتنا واهلنا في فلسطين او في اي بلد آخر ، ولي تعلقي بمن يدافع عن هذا الوطن العربي الكبير ضد الاطماع والمشاريع الوريثة لسايكس-بيكو، ولي قناعتي بان الحوار وقبول راي الآخر هما السبيل لانقاذنا، ولي ادراكي بان تلاقح الحضارات والثقافات وليس الانعزال والظلامية والانغلاق هو الطريق نحو المعرفة والتطور.... ولي روحي التي ان دخلت الى كنيسة او مسجد او معبد هندي او صومعة ناسك تبحث عن وحدة الكون والله والايمان .
لي كل ذلك وأكثر، لكني حين اكون على الشاشة الصغيرة، او خلف الكومبيوتر او المذياع ، يتقدم عقلي المهني وضميري على كل انتماء، فاحاول ان اجد وسط هذا الظلام الدامس المخيِّم على وطننا العربي وعلى العالم ربما، أملا باننا يمكن ان نكون أفضل لو عرفنا شيئا من الحقيقة ولو بحثنا عما يقرب الناس لا ما يزيد الشروخ.
اعذروني اذا ، لو فضلت مهنة الصحافة على وظيفة البوق.

Facebook Comments APPID

 
Top