ما الذي يريده علي عبد الله صالح بالضبط.. وهل غادر اليمن فعلا.. واين اخطأت السعودية واين اصابت في التعاطي معه؟ وهل هناك شرخ في علاقته مع الحوثيين؟ وهل بقي في جعبته اوراق تعطيه فرصا للبقاء في المشهد اليمني؟
عبدالباري عطوان ....................
ما زال مصير الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يتسم بالغموض، فمن قال انه غادر صنعاء على متن طائرة عمانية الى مسقط ومعه جميع افراد عائلته، ومن اكد انه قبل بمبادرة عُمانية احد ابرز بنودها الانتقال الى خارج اليمن، والتعهد بعدم ممارسة اي دور سياسي، اي اعتزال العمل السياسي كليا، مقابل تأييده لهذه المبادرة، وتولي السيد خالد بحاح نائب الرئيس عبد ربة منصور هادي رئاسة البلاد كحل وسط.
هذه التكهنات والاخبار المكثفة حول الرئيس السابق قد تكون احد فصول الحرب النفسية التي تشن حاليا بشكل مكثف في اوساط اجهزة “عاصفة الحزم” الاعلامية، وحتى لو كانت كذلك، فان هذا يعني ان الرجل ما زال لاعبا رئيسيا في الازمة اليمنية.
اخبار هروب الرئيس صالح الى مسقط لم تتأكد، تماما مثلما تبين ان ما كرره السيد رياض ياسين وزير خارجية اليمن، المقيم حاليا في الرياض من مغادرته الى موسكو قبل ثلاثة اسابيع على متن طائرة روسية تنقل رعايا روس غير صحيح، وما عزز ذلك وغيره، ما كتبه الرئيس صالح على صفحته الرسمية على “الفيسبوك” بأنه لا توجد اي قوة على الارض تجبره على مغادرة اليمن.
الرئيس صالح الذي تظاهر ملايين اليمنيين لاسقاط نظام حكمه، واتهموه بالفساد والديكتاتورية، ما زال رقما صعبا في المعادلة اليمنية، سواء في زمن السلم او الحرب، رغم صدور قرارات اممية بتجريمه ومنعه من السفر هو وابنه البكر احمد، وزعيم تيار “انصار الله” عبد الملك الحوثي وآخرين.
هذا الرجل مثل القطط “بسبع ارواح”، مثلما يقول المثل الشعبي العربي، فقد تجاوز الحروب والازمات، وخرج منها حيا، واستطاع ان ينجو ونظامه من حرب الانفصال عام 1994، ومن عدة محاولات انقلاب بعدها، وكتبت له الحياة بعد عملية تفجير في مسجد الرئاسة في ذروة الانتفاضة الشعبية التي انطلقت عام 2011 للمطالبة برحيله، وقد رحل فعلا الى السعودية من اجل العلاج في احد مستشفياتها في حالة خطرة جدا، ليعود الى اليمن على ظهر مباردة خليجية، وفرت له الحصانة من اي مطاردات قضائية، ليواصل مؤامراته للانتقام من كل خصومه الواحد تلو الآخر، وعلى رأسهم حزب الاصلاح الاسلامي، وابناء الشيخ عبد الله الاحمر، زعيمه المؤسس، وابن عمه اللواء محسن الاحمر الذي انشق بقواته، وشق عصا الطاعة على حكمه بانضمامه الى الثورة، ومعه اعداد كبيرة من الضباط والجنود، واخيرا المملكة العربية السعودية التي اوته وعالجته، وامنت عودته الى بيته في صنعاء، سليما معافى، ومحصنا من اي محاكمات عادلة او غير عادلة.
الخطأ الاكبر الذي وقعت فيه دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، هو سوء تقدير قوة هذا الرجل، ودهائه، واوراق القوة التي يملكها، و”براغماتيته” او حتى “انتهازيته” السياسية التي تمكنه من تغيير مواقفه، اذا تطلب الامر ذلك من اجل البقاء لمعاودة الكرة مرة اخرى بعد ان تهدأ العاصفة.
تحالف الرئيس السابق صالح مع الحوثيين الذي حاربهم ست مرات دون ان ينتصر عليهم، وان كان منع من تمددهم، على عكس خلفه الرئيس هادي، ربما يكون الورقة الاخيرة في جعبته، ولكنها تظل حتى كتابة هذه السطور الورقة الرابحة، ليس لانها اعادته الى دائرة صنع القرار مجددا، وانما لانها ايضا اعطته اداة قوية للمساومة، ليس على مصيره، وانما على مصير اليمن ايضا، ومستقبله السياسي والاقتصادي، وطبيعة علاقته مع دول الجوار.
من الصعب علينا، وربما على غيرنا ايضا، ان نتصور استقرار في اليمن، وحسما لازماته، سياسيا او عسكريا، دون ارضاء هذا الرجل بطريقة او باخرى، او التخلص منه وارثه، ولا نبالغ اذا قلنا ان السعوديين (الحكومة) يعضون اصابعهم ندما عندما اضاعوا فرصة ثمينة وسمحوا له بالعودة الى صنعاء بعد اكتمال علاجه، واهملوه، وهمشوه كليا، ولم يقدروا خطورته واوراق القوة التي يمتلكها، ويستطيع استخدامها ببراعة فائقة.
ارضاء الرئيس صالح ربما يتأتى باعطاء دور لنجله احمد في اي ترتيب مستقبلي لحكم اليمن، وهذا امر صعب بعد “عاصفة الحزم” والنزعات الانتقامية التي تركز عليها وباتت تحكم معظم مفاصلها، اما التخلص منه فهي عملية اكثر صعوبة، لانه جزء من منظمة سياسية وقبلية وعسكرية شديدة التعقيد، مثل الوضع اليمني برمته، مضافا الى ذلك ان 2500 طلعة جوية معززة بتقارير رصد واستخبار امريكية عجزت عن تحقيق ذلك.
مصادر مقربة من السيد جمال بن عمر المبعوث الدولي لليمن، الذي استقال من مهمته، لخص الامر برمته في اتصال مع هذه الصحيفة “راي اليوم” بقوله “يستحيل حل مشكلة اليمن دون حل مشكلة الرئيس صالح”، وعندما سألناه ما هي مشكلة الرئيس صالح من وجهة نظره، قال “الحكم” وكررها ثلاث مرات، دون ان يعطي اي تفاصيل اخرى.
لا نعتقد ان الرئيس صالح يريد العودة الى الحكم، لان هذا يبدو مستحيلا، فقد مرت مياه كثيرة تحت جسره، وربما يريد الانتقال الى دور “صانع الملوك”، ولكن من هو الملك الذي يريد صنعه؟ هل هو عبد الملك الحوثي، ام احمد علي عبد الله صالح، ام خالد بحاح مرشح الوسط؟
الايام المقبلة وتطورات “عاصفة الحزم” او “اعادة الامل” وليدتها “الخداج”، والمبادرة العُمانية، اذا كانت موجودة فعلا، قد تجيب، منفردة او مجتمعه على هذا السؤال.