...كنا نتوقع أن يلتقط الرئيس المختلف على شرعيته عبدربه منصور هادي (سابقة ) ما نشر مذيلا باسمه في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الثلاثاء الماضي للدعوة إلى إيقاف الحرب الكارثية التي تشن على أبناء شعبه منذ 26 مارس الماضي بعد أن تحولت هذه الحرب إلى أداة لتدمير البنية التحتية ووسيلة لتعميق روح الانقسام ومشاعر التطرف والكراهية والنوازع المذهبية والطائفية والجهوية بين أبناء البلد الواحد على اعتبار أن كل من يموت في هذه الحرب هو أحد أفراد الشعب اليمني، كما أن من يكتوي بنيرانها هو اليمن كبلد وكشعب، ومن السذاجة القول أن المستهدف من هذه العملية العسكرية هما الحركة الحوثية وأعوان الرئيس السابق على عبدالله صالح بعد أن أصبحت تأثيراتها تطال جميع اليمنيين بدليل أن معظم من سقطوا كضحايا حتى الآن في هذه الحرب هم من المدنيين الذين لا علاقة لهم بالحوثيين ولا بصالح كما أن من دمرت منازلهم وصاروا يعيشون في العراء هم في غالبيتهم لا رابط بينهم وبين أهداف هذه المعركة الظالمة ناهيك عن أن من تسحقهم معاناة انعدام الغذاء والدواء والمحروقات نتيجة الحصار المفروض على البلاد هم كل أبناء اليمن الذين خرج منهم سبعة ملايين لترشيح هادي وانتخابه في فبراير عام 2012م ولكن توقعاتنا كالعادة لم تكن في محلها على الإطلاق فقد أكد الرجل من خلال ذلك المقال على أنه الذي لا يميز فعلا بين ما هو ضمن المقبول وبين ما هو ضمن المحظور وانه ليس فقط معزولا عن الشعب الذي يتحدث باسمه وإنما هو الذي صار منفصلا كليا عن هموم هذا الشعب الذي لم يكن يوما معبرا عنه أو ممثلا لتطلعاته وآماله في الحياة الآمنة والمستقرة .
في الواقع لم يجب هادي في ذلك المقال على أي من تساؤلات الناس وقلقهم المشروع على حياتهم وعلى مستقبل أولادهم مع انه الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن كل الانهيارات التي أحاقت بالبلاد في المرحلة الانتقالية ويتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن كل ما قد يترتب على هذه الحرب من الويلات والدمار على مستوى البنية التحتية او على نطاق الواقع الإنساني للمواطن اليمني إلا أن مثل هذه المسؤولية كما يبدو لم تعد تعني بالنسبة له شيئا لذلك وجدناه وبدلا من أن يدعو في ذلك المقال غالى وقف الحرب وأي اندفاع أو صراع عسكري في الداخل يؤجج الانقسام المجتمعي ومعاودة الحوار من حيث انتهى يفاجئنا بمطالبته دول التحالف بمواصلة العمل العسكري وحسم المعركة عن طريق القوة وبعيداً عن أي تفاوض وكأنه يقول بهذا المنطق (الشمشوني) أنا من دعوت إلى هذه الحرب وأنا الذي لن يوقفها طالما بقي هناك من يرفض الإذعان لمنطقي وشرعيتي في السلطة حتى ولو أدى الأمر إلى أن لا تبقى لليمن حجر على حجر وليس غريب على هادي مثل هذا المنطق فهو من اعتاد منذ اللحظة الأولى لجلوسه على كرسي الحكم على ممارسة مثل هذه اللعبة المفضلة والتي ظل من خلالها يحرض هذا الطرف على ذاك ليدفع كل القوى إلى الاقتتال والتنافس المميت ليظهر في النهاية هو الرابح الوحيد وليس هذا وحسب بل وانه وحين وجد الداخل يضيق به راح يبحث له عن حماة من الخارج حتى أصبحنا وطنا مستباحا لا هيبة ولا سيادة له .
ما أقوله قد يغضب أولئك الذين اقتضت مصالحهم أو طموحاتهم الاستمرار في التمسك بشرعية هادي ليس حبا فيه وإنما كرها لمن يختلفون معهم على تقاسم الكعكة ومع ذلك فما اعتقده أن هؤلاء الذين يتخندقون وراء تلك الشرعية هم أول من سيتركون هادي وسبيله أن لم يتقدموا صفوف المشككين بشرعيته حينما يسدل الستار على صفحة حكم هادي لعلمهم أن الرجل ليس أكثر من ورقة يجري استخدامها لتبرير مسألة الحرب والتي لابد لها وان تتوقف طال الزمن أو قصر وبالذات وهم من يعلمون علم اليقين ان تعيين هادي لخالد بحاح كنائب لرئيس الجمهورية وهو من ظل يرفض ويقاوم مثل هذا الأمر بكل هوادة إلى درجة فضل فيها تقديم استقالته على الرضوخ لضغوط جماعة الحوثي بتعيين نائب له من قيادة الجماعة ليس نابعا من إرادة الرجل وإنما هو قرار يمهد لخروجه من المشهد والعودة إلى مسار العملية السياسية بمعزل عن هادي الذي لم يفطن حقيقة أن الاستقراء بالخارج أو استدعاءه أو طلب حمايته هو من يستجلب اللعنة على صاحبه إذ أن ما من احد عاقل يستعدي الخارج على أبناء شعبه ويذهب إلى الحرب طوعا وما من محب لوطنه وأرضه يغامر ويسمح بقتل أهله من اجل الحفاظ على منصبه أو الكرسي الذي يجلس عليه .
إننا اليوم أمام محطة من أصعب المحطات التي مر فيها اليمن خلال تاريخه المعاصر فالنخبة السياسية والمجتمعية منقسمة أو هي من تضع رأسها في الوحل كي لا ترى المأساة التي يحترق فيها هذا الشعب الذي يظهر أمام مشهد عاجز عن فك طلاسمه ولو أن هادي يملك حضورا ويحظى بنسبة عالية من التأييد الشعبي في هذا المشهد لتغيرت أمور كثيرة ولأصبح من حقه أن يتوعد ويهدد كل من ينازعه السلطة ولما وصل به الحال إلى استدعاء مثل هذه الحرب التي لن تدفع بالبلاد نحو الاستقرار والتنمية وإنما هي التي ستنزلق بها شيئا فشيئا نحو حروب أهلية وخراب شامل تفتتح فيها الأبواب لنوازع الأحقاد والانتقام والرغبة في الثأر وتوالد الفتن البغيضة التي قال عنها الرسول محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم : (دعوها فإنها منتنة) .
يعلمنا التاريخ أن كل أيام الحزن لابد لها من نهاية وأن يوما جديدا سيولد حتما وأن هذا التاريخ سيلعن أولئك الذين أسقطوا من قاموسهم يمنيتهم وانتمائهم الوطني عندما انزلقوا بهذا الوطن إلى قعر الحروب والصراعات القاتلة .
صحيفة الثورة