...
قليلون يمرون على الذاكرة ولا يغادرونها لأنهم تركوا ما سيظل يذكر بهم حتى بعد أن يرحلوا عن هذه الدنيا.. ولأنهم كانوا أكثر نجاحاً في المسؤوليات التي تولوها، ولم يأتِ بعدهم من يحقِّق ولو البعض مما حققوه.
- أحد أولئك الأستاذ خالد عبدالله الرويشان وزير الثقافة الذي غادر أبواب الوزارة في العام 2007م.. ومنذ ذلك اليوم دخلت الثقافة مرحلة الغيبوبة والموت السريري، ولم تجد من ينقذها، ولا من يحس بها ولا بأهميتها، لأن الحال في بلادنا أخذ فيه جانب الولاءات والصراعات الاهتمام الأكبر، وتفرغ له الكبار ومن بيدهم تحريك قطع الشطرنج فيما لا تعني لهم الثقافة سوى الفلسفة الزائدة والفعاليات التي لا تسمن ولا تغني، متجاهلين أن الأمم الأخلاق ما بقيت.. وأن التطور في أية أمة يقاس بمستوى ثقافتها وعلمها وما لديها من موروث ثقافي تستند إليه ومنتج ثقافي يضيء لها القادم ويضعها في الصدارة..
- تركوا الثقافة فضاعت، وضاع ما صنعه الوزير الرويشان في شربة مية، كما يقال، ومن قبله الأستاذ يحيى العرشي.. ووصل الحال إلى أن يتولى حقيبة الثقافة من لا يستطيع أن يفرق بين البيت والقصيدة الشعرية ولا يفهم عن الموروث أي شيء.. وعلاقته بالأدب والشعر واللغة سيئة منذ أن كان يرسب في مادة اللغة العربية ويعتبرها أصعب المواد.. أو أن يتولاها أحد مشاهير السياسة والحزبية ومن ليس له أية صلة بالأدب والثقافة..
- وحتى اليوم.. وإن كانت القادمة إلى الوزارة مؤخرا الأستاذة الرائعة أروى عثمان إحدى المتميزات في التراث إلا أن غياب الرويشان يظل قاصما لظهر الثقافة، وهو الذي أنعش الثقافة والأدب والفنون وأعاد الموروث من غياهب النسيان وقدم اليمن كأهم الدول التي تمتلك المخزون التاريخي الكبير والتراث الأصيل والإبداع الثقافي المتنوع والأدب الغنائي الذي لا يمتلكه أحد..
وغير أنه جميل القلب وصادق المشاعر وعميق الإحساس وأنيق الحرف وأمير الكلمة.. هو الفاهم المجتهد في الأدب والثقافة.. والملم الغارق في بحور العلم.. والكفء القادر في الإدارة.. والصانع المبتكر للأفكار.. والمبادر إلى كل جميل وجديد..
- ولأنه كذلك.. لا بد أن يكون أكثر المعنيين بمقولة (خليك بالبيت)..ولأنه كذلك.. ها هو يعيش لحظاته وأيامه.. وكل ما حوله عامر بالأدب وبالحب والفرحة والبهجة.. وبالاستمتاع على عكس الغارقين في القلق والأرق.. والتعاسة !