...
بصوت متفاوت الطبقات، قال الشيخ: إذا أراد أحدكم أن يرى رؤيا في منامه، فعليه أن ينام على «وضوووء»، وقد مدّ الشيخ الواو طويلاً، من باب التأكيد على الضرورة، أما مَن نام على غير طهارة، فإن ما يراه في منامه هو حلم من الشيطان، والعياذ بالله،
عندها قرر صاحبنا أن يتّبع كل الشروط الواجبة في توافر الرؤيا، فاغتسل وتوضأ، ولبس بيجامته القطنية، ثم نام على جنبه الأيمن، ووضع يده أسفل خده، وأغمض عينيه، بعد أن قرأ وِرده اليومي، وما أن غمس الرمش قدمه في بركة النعاس الدافئة، حتى دخل صاحبنا بوابة شاهقة عليها من التيجان والقضبان الغليظة والأقواس المذهبة ما يدهش المتفرّج، مضى في ساحة القصر، أشجار عالية متساوية الطول والهيئة مشذّبة تماماً، كأنها جنود حراسة، أصوات طيور تشبه تلك التي في الغابات الإفريقية، فُتح الباب من قبل حارسين ضخمين، غاصت رجل صاحبنا في السجاد، ومضى يخوض برجليه كمن يخوض بماء الشاطئ، وَبَر السجاد طويل ودافئ، وكلما احتكت قدماه بالسجاد فاح عطر نفيس، وصل إلى مجلس الوالي الواسع، يا إلهي! إنه هناك يجلس فوق كرسيه، سلّم وجلس.
المواطن العربي: جئت أنقل إليك رسائل عدّة يا مولاي. لم يجبه الوالي، وبقي ينظر إليه بنصف عين.
ثم تابع: سيدي الناس يتألمون، العيش يزداد ضنكاً، والفقر يتضخّم، وأنتم باسم الله، ما شاء الله، بوابة القصر بثمن مدينة. لم يجبه الوالي. ثم إنكم كل يوم تسافرون في زيارة عمل، تشاركون في مؤتمر أو ملتقى أو اجتماع... لم تتركوا مؤتمراً أو ندوة أو لقاء يعتب عليكم، سواء أكان لنا فيه شأن أم لم يكن، حتى مؤتمر «إنتاج السمسم العالمي»، شاركتم فيه سيدي! ونحن هنا لا نرى أي نتيجة، كم اتفاقية تعاون مشترك وقّعتم أو حضرتم على التوقيع؟! أين هي يا سيدي؟ كم مرّة شدّدتم على عمق العلاقات الثنائية بين البلدين؟! أين هي يا سيدي؟! ثم سيدي، هل يعقل، سيدي، أن كل الميادين والقطاعات والمستشفيات والمدارس والمدن الصناعية والملاعب الرياضية ودور تحفيظ القرآن باسمكم مولاي؟! ألا يوجد مستوصف واحد باسم الرعية، ولو من باب المجاملة؟! ثم بما أنكم تحبّون بلاد الفرنجة إلى هذا الحد، وتسافرون إليهم، وتتضامنون معهم، ومعجبون بتطورهم، وتتعالجون عندهم، وتستثمرون معهم، وتتنزهون بينهم.. فلِمَ لا تجرّوا ا ديمقراطيتهم إلينا؟! مولاي، أرجو أن تعتـــ...
طق طق طق.. قرع الباب. استيقظ الرجل «النائم على وضوء»، نهض من فراشه، وهو على وضعية الجنب الأيمن، فتح الباب بسرعة، ليجد أمامه دورية أمنية.