صلاح الأصبحي
بعد أن أمضيت أياماً وليالي أثقب وجه القدر والحظ السيئ , أنهش كل الوحوش التي تعترض حلمي ,أعيد قراءة الماضي , أعيشها ثانية , أحيا معها, أنشطر بها إلى أجزائي الأولية التي نسجت هذه الحكاية كل جزء مني يروي التفاصيل التي عاشها بدقة , يعيد تجسيدها سرداً عليَّ , أكتفي في البدء برؤية تلك المشاهد لأول مرة كأن لم يكن لي صلة بها , ومن ثم استعيد تلك الرؤية لتأخذ مكانها هنا لتضع لبنة في هذا البناء المثير للشفقة, أجزم أن أغلب التفاصيل رويت بدقة وملأت بالتحري , وليس من السهولة بمكان لملمة جراح متكسرة وتعضيد أكسارها ومن ثم صياغتها في صورة مكتملة وهيئة كلية, إلا أن حيلة التلاعب بالزمن تتكفل بذلك.
تنكرت شخصيتي بين شخصيات الرواية حتى تماهت معها ولم تستحوذ بنصيب الأسد من مجمل الأحداث إلا بحسب طاقاتها على تحمل الألم , مما يجعل أكثر الشخصيات بروزاً هي أكثرهن تمزقاً وأنيناً ورحيلاً للحنين والوصول للحلم .
أكتبُ هنا ولستُ متأكداً أنها ستطل من نافذتها الشاهقة في البعد لتلمح حروفي التي كُتبتْ أو لترى الدور التي مثلته وتقارن بين دورين معينين : دور في الواقع ودور في الخيال , أيهما أكثر إثارة وأكثر دهشة؟ أيهما يسري بلا دافع؟ أيهما أصدق وألذ وأشهى؟ أيهما أشد وخزاً في جسد الذكريات أو قلب الواقع حدوث الشيء أو استحضار لحظة الحدوث ؟
لا يساورني الشك في استمرار طيشها وخذلان نفسها, إنها لا تأبه أن تكون بطلة ما أو شخصية عاشت زمنيين, مارست سلطتها هنا وهناك وما زالت السلطة بيدها إن لم تكن هي السلطة بذاتها, ليس بمقدوري التمرد عليها أو نكران أهميتها , ليس بحوزتي منطاداً لاصطيادها فكم تمنيت لو كانت سمكة وحيدة في بحر لأفنيت عمري مصطحباً الشباك لالتقاطها لاكتفيت بها زاداً لما تبقى من العمر لو حدث ما سبق , ولكم حلمت أن أكون وبراً يسعى للخلاص فيظهر أمامها دون عناء ولا يخشى رصاصة تقذفها في جسده لو تحامقت وضغطت الزناد؛ لتتفاجأ بأنها قتلت قلباً وليس صيداً , ولا أخالها تشتهي لحماً طرياً أكثر من رغبتها في قلب نابض بالإحساس ومغمس بالمشاعر, يملأ الفراغ المتحصنة داخله, ولعله أسوأ حماية يجترحه المرء لنفسه , يحميه من الكل ليتفرد بفتله في النهاية .
لن تثير اهتمامها كل الأحداث التي جرت هنا كممثل سينمائي شهير لا يحدق في الشاشة إعراضاً منه عن ضياع وقته مرتين أو تضخماً للذات نفياً لإخفاق ما يظهر بعد مشاهدة الجمهور, فهو واثق أن الجماهير ستقضي وقتاً مع فيلمه بغض النظر عن المتعة التي حققها وهو يؤدي الدور.
لم أكن متحمساً في دخولكِ عالمي بهذا اليسر لولا تجهمك, لولا انحراف زاوية التوقع, والتملص مواربة نحو الظل , وقد لا أفلح في إخراجك من الظل , في بعثك من جديد بصورة جديدة وأكثر نقاءً, في تلمس جوانب الانحسار ومعالجتها, إعادة ترميمها والعبور من جديد, فالزمن لم يتوقف عند أول محطة, ما زالنا قادرين على قيادة دفته نحو المستقبل.
لا يختص الأمر برغبتنا في العودة وإنما بعزيمة بطموح بحلم منسوج على عاتقك, بتطلع يتشبث به ما لا يخطر على بالك ملايين من البشر الحالمين بعودتك, فقد الكثير أحبته وهو يسعى بجانبي يسندني بأملي, ويصرف عني اليأس كي لا ينفذ صبري وأتخلى عنكِ, كما يتوقع الخصم .
الخطأ الفادح جهلك بذاتك ,قد تتعرضين لصدمة محدقة لو عرفتِ من تكونين, لو حاولت التأمل قليلاً للقيمة التي تكونينها , للدلالة التي تشيرين لها, كل الوقت الذي مضى لم تفكرين بطريقة ما للتراجع عن قرارك , أعلم حقاً أنكِ لست في مأمن وليس المكان مناسباً لمقامك, من وضعوكِ هناك لم يكونوا يحترموا إراداتك أو يقيموا لها اعتباراً, فكيف يمكنك التنازل عن حقيقتك المفترضة والبقاء في كيان هش بلا أسس ولا شرعية وجودية , فمستقبلك مظلم وحياتك كئيبة لو راوغتِ بدلاً عنهم ومنحتهم فرصة لا يستحقونها وليسوا جديرين بها .
لستِ فرداً , لستِ اسماً وحيداً, لستِ أنثى فحسب, أنتِ مصير ينتمي إليه وطن, أنت دستوراً قامت من أجله ثورات وتصحيحات , عقود مضت لتنعمي بالثبات فلا يعقل أن تنزلقي مني بهذه السهولة, إخلاصي لاسترجاعك لن يتوقف بنفاذ الوقت, أنت كيانٌ يتلبس وجودي ومحيط يعج بصخب تحريرك من مختطفكِ.
أكتب لكِ , وعليك قراءتها بتمعن ويقين , عليك القفز خارج الشعور الملازم لك وستشعرين باختلاف جوهري لو خطوتِ صوب تلك الناحية التي ستعكس توقعك " .