في 20 من أبريل 2017 أتم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 90 يومًا من التربع على عرش أكبر دولة في العالم، ومن خلالها اتخذ خطوات بعضها كان قد وعد بها في أثناء برنامجه الانتخابي، وأخرى لم يف بها لأمور تبدو أنها تتعارض مع طموحاته الاقتصادية والسياسية.
وتعهد ترامب في برنامجه بأن يعيد أمريكا القوية إلى الواجهة مرة أخرى، ومصلحة المواطن الأمريكي أولًا، إضافة إلى مغازلة الرئيس السوري بشار الأسد والزعيم الروسي فلادمير بوتين، وشن هجومًا شرسًا على الصين وإيران ودول الخليج ووصف السعودية على وجه الخصوص بالبقرة الحلوب.
ويبدو أن الرئيس دونالد ترامب، اصطدم بواقع السياسة الخارجية الأمريكية بعد تسلمه رسميًا قيادة أكبر قوة عالمية على وجه الأرض، فقد تراجع عن التهديدات لكل من الصين والخيارات المتاحة لمواجهة إيران، لكنها انحصرت في اليمن، والسعودية أصبحت من أهم الحلفاء له في المنطقة.
ففي اليوم محور هذا الموضوع، قوي التحالف الأمريكي مع الإمارات العربية المتحدة، ويعملون بالتنسيق في تسيير الطائرات دون طيار أحيانًا لتنفيذ ضربات جوية على مناطق عدة في اليمن يقال إنها تابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وأخرى ضد المقاومة الشعبية الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بتهمة تبعيتها لجيوب الإخوان المسلمين أعداء الإمارات، أو جماعة تقول الإمارات إنهم ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن.
وفي أواخر يناير الماضي أي بعد تسعة أيام من تسلم ترامب الرئاسة الأمريكية، أمر بتنفيذ إنزال عسكري في منطقة يكلا التابعة لمحافظة البيضاء (جنوب شرق العاصمة اليمنية صنعاء وتبعد عنها بمسافة 268 كيلومترًا) شاركت فيه القوات الإماراتية على زعماء قبليين يحاربون الحوثيين، لكن الإمارات وأمريكا يتهموهم أنهم على صلة بتنظيم القاعدة، وراح ضحية تلك العمليات التي نفذت لأول مرة في عهد الرئيس الأمريكي الجديد نحو 20 شخصًا، من بينهم القيادي في تنظيم القاعدة عبد الرءوف الذهب وشقيقه سلطان، إضافة إلى مقتل العديد من الأطفال والنساء.
سياسات ترامب في اليمن
في اليمن تحديدًا كان من غير المتوقع أن ينفذ إنزال عسكري نتيجة لصعوبة التداخل القبلي فيها أو أن يجير لصالح الحوثيين الذين يقولون في أدبياتهم إنهم يحاربون أمريكا، لكن منذ وصوله إلى السلطة لم يتردد في أن يكون شديد الاندفاع في اليمن، ولأول مرة منذ سنوات استخدم قوات خاصة في اليمن، على عكس أوباما الذي كان يفضل استخدام طائرات دون طيار وسياسات الدرونز.
مروحية أباتشي من بقايا الإنزال الأمريكي في منطقة يكلا اليمن
وبعد تلك العملية أعلن دونالد ترامب ثلاث مناطق يمنية في مواقع ومواجهات عسكرية وهي البيضاء والضالع وشبوة، لكن ليس ضد الحوثيين، وإنما ضد تنظيم القاعدة، وهذا يتناسق مع ما قاله في أول خطاب له عقب أدائه اليمني الدستورية، حيث قال إنه سيعمل على محاربة الإرهاب أينما وجد، والذي يبدو أنه وجده في اليمن.
دونالد ترامب قام بمغامرات كثيرة في مناطق يمنية بشكل غير حساس على المستوى العسكري، أو كان له تأثير على تنظيم القاعدة، بقدر ما كان لذلك تداعيات واسعة على الصعيد المحلي.
إذًا، ترامب وجد اليمن مساحة رخيصة لاستعراض عضلاته تجاه إيران وتقديم الكثير من الجمائل لدول الخليج أو تقديم مستوى مرتفع من الالتزام نحو الخليج، وكان اليمن أسهل مساحة يمكن أن يؤكد فيها على عمق وأهمية العلاقات الأمريكية تحديدًا، والدليل أن إيران موجودة في العراق وسوريا لكنه لم يستطع مواجهتها أو على الأقل دعوتها إلى الانسحاب من الأراضي السورية أو العراقية.
ضوء أمريكي رغم الحالة الإنسانية
استطاعت دول الخليج العربي، خلال الـ90 يومًا الأولى لترامب إقناع الرئيس الأمريكي أن إيران موجودة في اليمن، وحرضته أن يقاتلها في هذه المنطقة كونها بلادًا أصبحت رخيصة بفعل قتال سياسييها على السلطة، واليمن الدولة الوحيدة التي يمكن لدونالد ترامب أن يستثمر برنامجه الانتخابي فيها.
ويبدو أنها انتزعت منه الضوء الأخضر لتنفيذ عملياتها في ميناء الحديدة التي يمكن القول إنها معركة استراتيجية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن، لما لها من موقع استراتيجي مهم يطل على البحر الأحمر وكونه ممرًا تجاريًا دوليًا، إضافة إلى موقعه القريب من ميناء جازان السعودي الذي تسعى السعودية لأن يكون ميناء الحديدة مكملًا له وفق استراتيجية بعيدة المدى.
إضافة إلى ذلك فإن دول التحالف العربي ترى أن هذه المعركة ستنهي آخر سيطرة للحوثيين على البحر الأحمر، وستنهي آخر منفذ بحري اقتصادي تستطيع البضائع النفاذ منه إلى مناطق تحت سيطرة الحوثيين، ويستفيد الحوثيون من عائداته الجمركية، وبالنسبة للحوثيين فهو مساحة مهمة لأن من خلاله يسيطرون على غالبية الساحل الغربي في اليمن.
ولعل الاستعدادات الحالية والجارية على قدم وساق من قبل التحالف العربي والإقليم دليل واضح أن أمريكا أعطت الضوء الأخضر للتحالف بالهجوم على هذه المدينة والميناء، ولكنها معركة عواقبها أكبر مما يمكن أن يتم حسبانه، لا سيما أنه من غير الواضح أنها ستجبر صالح والحوثيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن على المستوى الإنساني ستخلق هذه الحرب "حلب" أخرى يمنية، لأنها واحدة من أكثر المدن اكتظاظًا بالسكان (2.621 مليون نسمة وفقًا لتعداد 2011)، وهي منطقة مغلقة من قبل الحوثيين، وستخلق واحدة من كبرى الأزمات الإنسانية في البلاد، نتيجة لأن ميناء الحديدة يمر به ما يقارب 90% من واردات الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى اليمن، وفي نهاية المطاف يجب تحييد معركة الحديدة إذا كان هناك أي رغبة في تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن.
هل تحارب أمريكا إيران؟
الحديث الدائر اليوم أن إيران تمارس سيطرة تامة على الحوثيين وهم وكلائها في اليمن بل وأذرعها لمحاربة السعودية، لكن البعض ينفيها تمامًا والآخر يبالغ فيها، وكلاهما خاطئ حينما يتم النظر إلى مجريات الأمور بحياد تام.
فعلاقة الحوثيين بالسعودية على المدى الطويل أهم بالنسبة للحوثيين من علاقتهم بإيران لكونهم يدركون أهمية وقدر الجغرافية اليمنية المتداخلة مع المملكة، وكذلك وقوف الرياض معهم في أثناء ثورة الضباط الأحرار على أسرة حميد الدين التي ينحدر منها أصول الحوثيين، إضافة إلى أن إيران لا ترى فيهم حليفًا أساسيًا كما حزب الله، بل ترى أنهم أداة رخيصة وليس حتى حليف تستخدمه لتهديد السعودية بأي شكل من الأشكال.
وفي نفس الوقت تعمل إيران على استغلال الحرب وتقدم خدمات مالية مباشرة وبعض الخدمات الأمنية والتدريبات العسكرية وتجهيزات الحوثين العسكرية، ورغم أن ذلك ليس كثيرًا، لكنه يجعلها محورية في اليمن، على المدى الطويل.
وفي نهاية المطاف ما تستثمره إيران في الحوثيين هو أقل ما تستثمره على طرف سياسي واحد في لبنان، واليمن بيئة منخفضة الثمن بكل الأشكال لاستدراج السعودية وبالنفاذ بأي أجندة طائفية من دون أن يمس ذلك بالصفقة النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الغربية، وهذا يقودنا للقول بأنه لا يوجد لإيران ما تخسره في اليمن، ولا يمكن لأمريكا أن تحارب إيران في اليمن.
الخلاصة
وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضالته في اليمن لاستعراض عضلاته تجاه إيران وتقديم الكثير من الجمائل لدول الخليج أو تقديم مستوى مرتفع من الالتزام نحوها، وكانت اليمن أسهل وأرخص مساحة يمكن أن يؤكد فيها على عمق وأهمية العلاقات الأمريكية الخليجية تحديدًا.
ويبدو أن دول التحالف العربي نزعت موافقة أمريكية على تنفيذ عملية عسكرية في ميناء الحديدية لمواجهة إيران هناك، والتي ستكون واحدة من كبرى الأزمات الإنسانية في البلاد، ومن أجل ذلك يجب تحييد معركة الحديدة إذا كان هناك أي رغبة دولية في تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن.
المصدر/عيون الخليج