لا يخفى على أحد الحضور القوي للدب الروسي، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، في منطقة الشرق الأوسط، ونتج عن هذا الحضور مجموعة من المشاحنات والمماحكات مع واشنطن، والتي طالما تعودت على التفرد بالتحكم بملفات المنطقة وعدم وجود منازع لها، سواء على مستوى مصالحها أو أمكان نفوذها، ولكن يبدو أن لموسكو كلامًا آخر، فروسيا تحاول أن تثبت نفسها كقطب عالمي يستطيع مقارعة أمريكا أو على الأقل مجاراتها، بما تملك من إمكانيات اقتصادية وعسكرية وعلمية، الأمر الذي بدأت تظهر ملامحه في مناطق أخرى كأفغانستان واليمن.
روسيا وأفغانستان
من المعروف أن الساحة الأفغانية هي ملعب أمريكي بامتياز، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت تظهر بصمات روسية تثبت من خلالها حضورها في هذا الملعب.
وكان وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، قد وصف التصريحات الأمريكية بشأن تزويد موسكو حركة طالبان بالأسلحة بـ”أنها غير مهنية”، ولا تستند إلى حقائق، مؤكدًا أن الهدف منها صرف الأنظار عن مخططات مبيتة لتغيير مسار التسوية السياسية في سوريا نحو الحل العسكري.
وبعيدًا عن البصمات العسكرية الروسية في أفغانستان، سواء بصحتها أو عدمها، فإن هذا لا ينفي دورها السياسي فيها، فبخصوص الأزمة الأمنية التي تعصف بأفغانستان منذ سنوات عديدة، رأى لافروف أن نهايتها لن تأتي دون حوار وطني، مشددًا خلال لقاء جمعه بالرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، في 25 إبريل الجاري، على أن روسيا تدعم مشاركة حركة طالبان في الحوار، بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولية.
كما تعهد لافروف بأن تسعى موسكو لتأمين دعم دولي لهذه العملية، حيث قال “إن روسيا مهتمة بصدق بأن تتمكن هذه الدولة الصديقة من تخطي مرحلة عدم الاستقرار، وتتمكن من التركيز على ازدهار شعبها. نحن ندعم الحوار الوطني ومستعدون لاستخدام أي إطار؛ لكي نوفر دعم اللاعبين الخارجيين لهذه العملية”.
من جانبه ثمن كرزاي الدور الروسي، وشدد على ضرورة استمراره لإحلال السلام في أفغانستان، وأضاف أن روسيا دولة جارة لأفغانستان، واستقرار الأوضاع فيها من عدمه يؤثر على موسكو.
وتقوم روسيا بدور نشط في الساحة الأفغانية، حيث تجري ما تسمى بعملية موسكو للحوار التي تضم عدة دول بما في ذلك أفغانستان وباكستان والهند، وتهدف لدعم التسوية السلمية في أفغانستان، والراعي الرئيسي لهذه المفاوضات روسيا، وتكمن هذه المفاوضات في أن باكستان تعتبر أحد الممولين للمعارضة الأفغانية، وقد يكون موقف باكستان مفهومًا إذا ما تم ربطه بموقفها من الهند، وبالتالي تسعى إسلام أباد لتشكيل ضغط على سلطات كابول الرسمية عبر طالبان، وفي إطار هذه العملية تسعى روسيا لإقناع كافة الأطراف بعدم استخدام واستغلال التناقضات الأفغانية الداخلية في إطار الصراع بين هذه البلدان المعنية.
التحركات السياسية الروسية في أفغانستان يبدو أنها لا تحظى بقبول أمريكي، خاصة أن واشنطن لا تشارك فيها، وأن هذه ثاني تحركات روسية تتجاهل الموقف الأمريكي كما حدث في مفاوضات آستانة حول الملف الروسي، وبالتالي ستحاول واشنطن إجهاض التحركات الروسية الأخيرة في أفغانستان، وقد تكون الاتهامات الأمريكية لروسيا بتزويد طالبان بالسلاح جزءًا من هذه الخطة.
روسيا واليمن
بما يخص الملف اليمني نجد أن الدور الروسي فيه بدأ يتعاظم شيئًا فشيئًا، فعلى وقع معركة الساحل الغربي في اليمن ومحاولات حكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه هادي منصور، المدعومة من قبل تحالف العدوان العربي لاستعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي، أعلنت روسيا موقفًا لافتًا مما يجري من تطورات جاء على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، حيث حذر من هجوم قوات التحالف على ميناء الحديدة وتحركاته نحو العاصمة صنعاء.
الموقف الروسي الجديد أثار مجموعة من التساؤلات، خاصة أنه يتزامن مع محاولات يمنية سعودية باتجاه مديرية حيران وميدي في الساحل الغربي للبلاد، وهي المعارك التي أطلقتها حكومة عدن، وهدفها المعلن هو الوصول إلى مدينة الحديدة، حيث يعد ميناء الحديدة البوابة الواسعة لوصول المواد الغذائية التي تدخل اليمن وشريان المساعدات الدولية، وهو الأمر الذي يجعل موسكو في صدام مباشر مع الرياض، فحكومة هادي المدعومة من السعودية تزعم أن سيطرة حركة أنصار الله على ميناء الحديدة أثرت بشكل مباشر على تعزيز قوته العسكرية عبر إدخال السلاح من هذا الميناء.
وعلى الرغم من أن روسيا أعلنت على مدار الأزمة اليمنية دعمها لهادي، إلا أنها في نفس الوقت حافظت على علاقات مميزة مع حركة أنصار الله والرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، وتركت الباب مفتوحًا مع تلك الأطراف من خلال سفارتها في صنعاء، حيث وصف القائم بأعمال السفارة الروسية في صنعاء، أوليغ دريموف، في شهر أغسطس 2016، تشكيل المجلس السياسي الذي أعلنه حركة أنصار الله وصالح، بأنه خطوة صائبة في الاتجاه الصحيح، ودعا دريموف اليمنيين إلى تجاوز الحديث عن الشرعية.
وعما إذا كان الموقف الروسي بدعم المجلس السياسي في اليمن يشكل انحيازًا لطرف أنصار الله وصالح ضد الحكومة الشرعية في اليمن، قال أندريه كورتونوف، مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية، إن جميع الدول التي لها علاقة بالملف اليمني متحيزة، مشيرًا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي متحيزة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
الموقف الروسي الأخير من ميناء الحديدة يفتح الباب لتكهنات بشأن استراتيجيتها في المرحلة المقبلة، فمن الواضح أن روسيا غير مرتاحة للدور الأمريكي الجديد في اليمن، الذي ترافق مع تغيير عام طرأ على كثير من مواقف إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في المنطقة والعالم، فرسالة واشنطن، بعد أن أرسلت وزير دفاعها جيمس ماتيس إلى السعودية، حملت في طياتها دعمًا مباشرًا وصريحًا للعدوان السعودي على اليمن، وهو ما حدا فيما يبدو بموسكو لأن تدلي بدلوها في الأزمة اليمنية من خلال إرسالها رسائل مبطنة موجهة في المقام الأول لأمريكا في حربها غير المعلنة معها عبر الرسائل والرسائل المضادة.
المصدر/البديل