...
ال 14 من فبراير ..موعد الإحمرار المُشتهى للمراهقين والشباب ، لم اكن اشعر بماهية هذا التاريخ سوا من بعض سنوات حينما اقدمتُ صديقتي الجامعية بتقديم هدية لي تعبيرا عن حبها البريء وقبل ان اخبرها انه عيد العشاق فقط سبقتني بقولها الحب لا يعترف بجنس !
حقيقة وفي مواجهة سخية مع نفسي وجدت ان هذا التاريخ والذي تُصدر بحقه الفتاوي بتحريم وكره الاحتفال به ليس الا بازارا للعشاق والمطحونين بالحروب طيلة العام .. نتهم الحب به والحب بريء من الإستنثاء بيوم واحد مصبوغ بلون أعتدنا عليه على واجهات شاشات الأخبار ، انه حُمره محروقة بدموع من رحلوا ولهفة لمن سيأتون بعدهم .. انه تلك الغصة التي تسكننا نحن الوحيدون والواقفون في منتصف الأرجوحة بين الحب واللاحب .
سألتُ والدي ذات فالنتاين : هل كنتم تحتفلون بالفالنتاين في روسيا (البلد التي عاش فيها فترة شبابه) ؟ .. صدمني بجوابه المختصر (لا) .. لمَ ؟ ... لأن الحب ليس يوم وليس احمر ولأن الحياة هناك كانت ملوّنة في جميع الأيام والحب كذلك .
صديقتي المتزوجة كذلك هزت برأسها يمنيا وشمالا وأردفت قائلة (الرجال يخافون من ان تتحول المناسبة لعادة تطالبهم نساؤهم بالهدايا فيها ، ومن ثم فالحب بعد الزواج بات اسطوانة مشروخة ) .
كان جوابهما جسرا لسؤال اخر بداخلي (اذن لم نحتفل نحن بيوم للحب ؟)
نحتفل لأننا وببساطة في البلدان العربية تطحننا الحروب ونعاني كوارث العاطفة ؛ جفاف في الخارج وانفجارها في الداخل وحينما يكون الحب مسموحا في يوم فسيهرع اليه العشاق حاملين ومحمّلين ليثبتو للعالم الكبير انهم يقدسون الحب فيما بالحقيقة أنهم أول من يصلّبه بين العيب والحرام ، اما الحب الذي تحتاجه الشعوب لجلب السلام الخارجي والداخلي فلن تجده في بلاد العرب بسبب الحروب التي تجفف أرواحنا وتأكل الأخضر واليابس دون رحمة .
مازلت أتذكر ليلة الفالنتاين في العام الماضي حينما بعثتث لصديقتي المقربة غادة في مربع الشات وجها حزين مُفسرَا بـ (الناس كلهم مفلتنين إلا أنا) ، فسارعت الى مواساتي قائلة (لا تحزني فإذا كانوا يملكون أحباء فنحن بحوزتنا ما هو أهم ..نحن نملك الحب نفسه وهو الأغلى) ، ثم اقترحت عليا طريقة مجنونة وغريبة تخفف عني ذاك الشعور المتفاوت بين الحسد والحقد والحزن ولأني حينها جافة الرأس تشرّبتُ الفكرة كأسفنجة وبادرت بتطبيقها.
في صباح اليوم التالي هرعت الى الخارج لشراء هدية جميلة وقريبة إلى قلبي (كما نصحتني غادة) ولم أجد شيئا يفتنني كالعطور والورد ..أخترت عطري المفضل وطلبتُ من البائع تغليفها بشكل يناسب اليوم ووضع عليها كرتا أحمر كتبتُ الكلمات عليه بقلم أحمر أيضا وعدتُ إلى المنزل برفقة هديتي ..
في عصر ذاك اليوم خرجت وهديتي إلى مكان عام مجاور قعدتُ على احد الطاولات المطلة على ضواحي مدينتي ، كان المكان مكتظا بالبشر على غير العادة وكانت كل الطاولات كراسيها دافئة عدا طاولتي فهي بكرسيين احدهما شاغر والاخر جلستُ عليه ، لم يتجرأ احدا ان يطلبه مني في ظل الزحام هناك ف الجميع كان يظن ان الفتاة التي تجلس على نفس الطاولة تنتظر شابا وسيما يشاطرها الحديث ويتبادلان الهدايا ولكن الحقيقة أني كنتُ على موعد مع نفسي ..طلبتُ عصيرا وارتشفته وانا احادثها سرا ، اخبرتها كم أني احبها واني افخر بها واعتذرت لها عن كل الاسهافات في حقها وقدمتُ اليها الهدية وشرعتُ بفتحها وقراءة ما كتبته على الكرت:
الى روحي التي احب ..
كل عام وأنتِ سر سعادتي وأيقونة الحب الذي لا يأفل ولا ينضب
وكان تذييلها توقيعي عليها بقلبٍ يحمل بداخله حرف اسمي .
كانت فكرة مجنونة جدا اصابت من حولي بالدهشة والضحك حينما قصصتُ عليهم تجربتي لكنها كانت متكفلة بتجديد علاقة لطالما غفل عنها الجميع مواكبة في سهو وفي خضم تزاحم العلاقات البشرية .. علاقة الروح بالجسد ، فكرة اغدقتني بفرح لم اكن اتوقعه بتاتا بعد عودتي الى البيت وكانت الغبطة ملية حتى جعلتني اهرع الى جهازي المحمول لأصف لغادة ما حدث ..فتحت الانبوكس فوجدت منها رسالة تسالني فيها ماذا الذي فعلته ، وبحماقة انثى اخبرتها أني لم اخرج بتاتا ، كذبتُ عليها ليس لسبب يُجدي ولكني شعرتُ انه حتى حب الذات يستحق ان يبقى بالداخل ولا يذاع لمن في الخارج .. وربما لأني تذكرتُ نظرات كل من كان في المكان العام نحوي والتي كانت تشيء بالبؤس فوددت ان احجب عن صديقتي هذا الشعور وهي سعيدةبيومها .
شعرتُ باستغرابها حينها ولكني ضللتُ ذاك الشعور حينما اخبرتها اني حنقه لاني لم اتلقَ حتى رسالة منها تجدد فيها محبتها لصديقتها فهرعت بالكتابة وقتها وانتهى الموضوع ! .
حتى اولئك الذي ظنناهم قريبون جدا منا كأنهم كانوا ينتظرون منا المبادرة بتجديد المحبة مثلما كنا ننتظرهم ، اليس هذا بحد ذاته نوعا من انواع الظلم الذي نصبه على رأس الحب ، الحب ببساطة لا يعترف بالمسابقات االتي تحدد من يحب الآخر أكثر ، انه بادرة عظيمة من شأنها أن تجر إلى مبادرات أعظم .
هذا الفالنتاين لن يختلف عن العام الماضي سوى بأني سأتوقف عن تجهيز قالب حلوى كنت ازينه بقلب من الكرز ووانقش بداخله (الحب أنتم) ، اعتدت ان اعده لمن يحبوني دون خذلان او جحود لأنهما ممنوعان من تناوله بسبب اوامر الطبيب فالأول يعاني من مرض في القلب والثانية من مرض السكر وسأبحث عن شيءٍ اخر أهديه لهم .
سأكتفي بنفسي وقليل من البشر فكل العلاقات صغرت في عيني ، وسأهز العالم بقلبي الذي وطنه الحب بلا احمرار..بلا ربطه بإنسان .
هذا كل شيء يا حب. ..ماذا عني ؟!