عن كثب/عبدالله سالم
«مشوار جينا عا الدني.. مشوار».. اختارها الشاعر سعيد عقل، لتنهي بها جارة القمر «فيروز» جدلها مع الألسن اللاذعة والموشوشة بقصة حب لا وجود لها إلا في الخيال مع أحد صبيان الضيعة.
صدرت الأغنية عام 1960، وتم تصنيفها ضمن الأغاني «الجريئة»، وتساءلت مجلة «الصياد»: «هل تمنع إذاعة بيروت أغنية مشوار لفيروز؟»، وبالفعل امتنعت الإذاعة عن طرح الأغنية كونها «تضم كلمات لا تتفق ومخطط الإذاعة العام الذي يحرم تقديم الكلمات النابية أو التي تسئ إلى الأخلاق». لكن الأخوين رحباني أخرجا الأغنية إلى الناس بعنوان «الهوى والشباب»، وجاء معها نص جرئ: «تزداد مشاكل الشباب المراهقين وتتعقد في محيط القرية الضيق، حيث يعرف أهلها بعضهم بعضًا، وتتداول الألسنة الأخبار، وتضيف إليها وتحوّرها».
وترصد كلمات «عقل» معاناة المراهقين في القرية من مراقبة الأعين، فكل حركة يخطونها تجد تأويلات عديدة تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة، ويتهامس الناس في «مشوار» بقصة حب، تنكرها خلالها البطلة تحدثها إلى الصبي أثناء سيرها إلى المدرسة، وتبرر وقوفها بخوفها على فستانها من ماء المطر، إلا أنها تتراجع قليلًا وتتحوّل من الإنكار إلى التبرير، فتقول: «على كل حال ليس مهمًا.. كنا صغار»، ويتوالي تأويل الألسن للقصة: «فرش لها وردًا على سريرها»، فتكذبهم بحقيقة أن شباكها يعلو عن الشارع، كما أنه لا يعرف سريرها من سرير أختها وأن السريرين في حجرة واحدة.
وفي حكاوي الناس تكون الإثارة طاغية على غيرها من الاعتبارات، ولهذا حاولوا إضفاء بعضها على قصة الصبية، وتناقلوا فيما بينهم أن حبيبها ضمها إلى صدره مرتين وتعانقا، أما هي فلا تنكر عليهم إلا في الإحصاء؛ فهو لم يضمها إلا مرة واحدة.
وسرعان ما تحولت إشاعة الحب الخيالية إلى حقيقة واقعية، فنجد الحب يغمر قلب الفتاة، وتقضي لياليها مستغرقة في فتى أحلامها، وتبدو حائرة لا تدري أهي تحبه حقيقة، أم أنه تخيّل بفعل الأقاويل. وفي النهاية تلوم الفتاة الناس على استغراقهم في ترديد قصتها في حين أن الحياة ليست إلا مشوار. وإلى كلمات الأغنية:
مين قال حاكيتو وحاكاني عا درب مدرستي
كانت عم تشتي ولولا وقفت رنخت فستاني
وشو هم كنا صغار
ومشوار رافقتو أنا.. مشوار
وقالوا شلحلي ورد عا تختي.. وشباكنا بيعلا
وشو عرّفه أيا تختي أنا.. وأيا تخت أختي؟
بيلفقوا أخبار
ومشوار يا عيوني مرق.. مشوار
وقالوا غمرني مرتين وشد
شوف الكذب لوين
مرة منيح.. اتنين؟
ولا ردتو إيدي.. ولا هو أرتد
شو بيفضحوا أسرار
ومشوار شفتو وما رجع.. مشوار
كذبوا مين بيقول كذبوا مين
كذبوا مين بيقول كذبوا مين
امبارح بنومي بصرت
إني عازندو طرت
والأرض مفروشة كلا ياسمين
إن صح الحلم شو صار؟
ومشوار جينا عا الدني.. مشوار»