...
يقول المفكر الإيراني علي شريعتي: (السبب الأصلي للمصائب ليس الاستبداد ولا الاستعمار ولا الاستغلال، هذه كلها نتائج. هناك سببان لكل هذا: أولهما الاستحمار وثانيهما الاستحمار)، ويقول أيضاً: (عندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، فالاهتمام بغير إطفاء الحريق، والانصراف عنه إلى عمل آخر، ما هو إلا استحمار، و إن كان عملاً مقدساً أو غير مقدس).
لقد آليت على نفسي ألا أكتب عن جماعة الإخوان المسلمين مذ سقطت في مصر، لسببين، أولهما: أن هذه الجماعة قد أفل نجمها ولا أظنها ستقوم لها قائمة بعد أن سقطت من عُلو شاهق، كما أن بعضاً من رموزها في السجون، ومن غير المروءة الحديث عن أناس لا يملكون حق الدفاع عن أنفسهم، فضلاً عن أن الجماعة تعرضت لنكبات، والشماتة عمل دنيء، بل أرجو من صميم قلبي أن يُصدرَ الرئيس السيسي عفواً شاملاً عن كل من لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وثانيهما: أن كثيراً من البسطاء دفعوا أثماناً باهظة في سبيل تحقيق أهداف الجماعة، اعتقاداً منهم أنهم بهذه الأعمال إنما يخدمون دين الله، كما أنهم خُدِعوا من قبل رموز الجماعة، وكانوا ضحيةً لخطاب عاطفي اعتقدوا معه: أن جبريل عليه السلام سيقاتل معهم، حتى أنه لما أتى موعد فض الاعتصام، ووجِهَت إليهم الدعوات بالخروج من الميدان، وفتحت لهم الممرات الآمنة للخروج رفضوا؛ يقيناً بوعد جماعتهم، وما علموا أن الله لا يصلح عمل المفسدين، وما يجب الإشارة إليه أن ذلك لا يبرر أن تُراقَ قطرةُ دم واحدة في عملية فض الاعتصام، غير أني أعتقد أن جزءاً كبيراً من أوزار الذين سقطوا يتحمله أولئك الذين ألبسوا المعتصمين الأكفان ودفعوهم إلى المواجهة، متوعدين الخارجين من الميدان بالعذاب في الدنيا والآخرة!.
إن حكم العسكر لئيم بشكل عام، لكنه أفلح من حيث إسقاطه حكم جماعة الإخوان المسلمين؛ إذ لا يمكنني أن أتصور أحوالنا فيما لو استمر حكم هذه الجماعة لمصر إلى الآن، خصوصاً أن التاريخ يخبرنا أنها من أصدرت بياناً في عام 2009م تطالب فيه السعودية بأن توقف حربها مع الحوثيين، واصفة دفاع السعودية عن نفسها بأنه تدخل في القتال الدائر بين أبناء الشعب اليمني!، كما أن أحد أعضائها الكبار توعد الإماراتيين بأن إيران النووية قادمة، وبأنهم سيصيرون عبيداً عند الفرس!، ومن المؤسف أن تجد بين أبناء الخليج من يتجاوز مرحلة التعاطف مع هذه الجماعة إلى درجة الولاء لها، وتفضيلها على بلده، ولعل هذا هو ما دعاني إلى الكتابة عن هذه الجماعة من جديد، إضافة إلى ما نشر من تسريبات ادعى أصحابها أنها تعود لمكتب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في محاولة منهم لإفساد العلاقات الخليجية المصرية، ومن يشاهد حجم ما كُتب عن هذه التسريبات من سخافات -رغم تفاهتها- يدرك أن هذه الجماعة لا تفكر إلا في نفسها، وأن ولاءاتها الضيقة تعلو على أي ولاء آخر، كما أن دخول قناة الجزيرة على الخط، وتلقفها هذا التسجيل وتضخيمه وإشباعه تحليلاً وتحريضاً قبل أن تتأكد من صحته، يدل على أنها تحولت إلى جناح إعلامي لهذا الحزب مقدمة مصلحته على مصالح أبناء الخليج، كما فعلت مع البحرين سابقاً في فيلمها الدنيء (صراخ في الظلام)، وقالت إنها فعلت ما فعلت بدافع المهنية والموضوعية، فأي عذر (ستستحمر) به الثائرين المستعبدين وهي تأتي بتسجيلات يختلط فيها صوت الشارع بصوت (الشيشة) حتى كاد أن يقسم بعضهم أنها صادرة من مقهى (العمدة).
لا أعرف جماعة استحمرت الناس ولعبت بعواطفهم كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين، فكلما انشغل الناس بعمل من الأعمال دعتهم لعمل آخر من أجل أن تصرفهم عن ذلك العمل، وتوجههم إلى جهة أخرى ليغفلوا عن الحقيقة التي يشعرون هم بخطرها، فهي تصور للناس أن كل من لا يتفق معها محارب لله ولرسوله، وأن الذين فرحوا بإسقاط حكمهم لمصر شركاء في قتل المعتصمين، فحتى في جريمة إحراق الطيار الأردني من قبل داعش، يأتي أحد منظريهم ليضع صوراً يدعي أنها تعود إلى عدد من المعتصمين في أحد ميادين مصر، ثم يقول للناس: انظروا ما فعلوا بالمتظاهرين، في محاولة منه لتبرير حرق الطيار حياً، فعلى افتراض أن هذه الصور تعود فعلاً لمعتصمين في ميدان رابعة العدوية، وعلى افتراض أن العسكر فعلوا ذلك عن قصد، فهل الجريمة تُبرَر بجريمة أخرى؟!.