لا السعوديون سيوقفون غاراتهم حتى ولو لم يبق حجر على حجر في اليمن، ولا الحوثيون سيسلمون اسلحتهم حتى ولو لم يبق لهم اثر. في الغرب يقولون انها الحرب التي ستحطم العرب. ولكن لمصلحة من؟ اقرأوا ما وراء الوجوه، وما وراء الاقنعة، الاميركية!
السعوديون الذين نجحوا في بناء الارمادا الجوية لا يستطيعون بناء الارمادا البرية. الحرب البرية في اليمن، بتشكيله السريالي، تحتاج الى مائة الف جندي. الانكليز، الاكثر دراية والاكثر حنكة، يتحدثون عن مائتي الف جندي…
وحتى لو وافق البرلمان الباكستاني على المشاركة، لم يكن الرقم ليتعدى الخمسة عشر الفاً كحد اقصى لان المؤسسة العسكرية هناك محكومة بالهاجس الهندي، كما انها توزع قواها في مئات النقاط التي تتحرك فيها مشتقات القاعدة، فضلا عن الطالبانيين الافغان، ومع اعتبار ان وكالة الاستخبارات المركزية استحدثت هذه الحركة في باكستان بداية من اجل حراسة انابيب الغاز الممتدة من تركمانستان الى الشمال الافغاني منه الى بلوشتان، وبالتالي الى المحيط الهندي..
باكستان محكومة بشبح التجزئة، وهي اذ تعني» ارض الاطهار»، فإن الذي قام بتركيب الاسم هو طالب هندي مسلم في جامعة كامبردج، وقبل قيام الدولة بأربعة عشر عاما، وعلى اساس ان الباء تعني البنجاب، والكاف تعني كشمير، والسين تعني السند، والتان تعني المنطقة المتنازع عليها مع افغانستان..
هل حقا ما ينقل عن مستشار مسؤول عربي كبير من ان اول جندي باكستاني يدخل الى اليمن سيحمل بندقيته فقط، اما الجندي الباكستاني الاخير فسيحمل معه القنبلة النووية. كان مقدراً ان يسقط الباكستانيون في «ثقب الاوزون»، ولا بد ان تغدو الحرب حتمية بينهم وبين ايران.
في هذه الحال يصبح استخدام القنبلة من البديهيات الاستراتيجية، كما لو ان ذلك بمثابة تحقيق لنبوءة الباحث المستقبلي الاميركي آلفن توفلر الذي اعتبر انه اذا كانت القيم السياسية في الغرب تحول دون اللجؤ الى الخيار النووي، وهذا ما عكسته فلسفة الحرب الباردة التي اطلقها وزير الخارجية الاميركي( في عهد هاري ترومان) دين اتشيسون،فإن القيم السياسية، والايديولوجية، في الشرق هي في حالة تخلخل بنيوي ، اي ان العقل هناك بحمولته اللاهوتية يبدو قريبا جدا من العقل الوثني الذي طالما تعاطى مع العالم على انه مهرجان للعدم…
اكثر من ان يكون مثيرا رفض اسلام آباد بالاجماع المشاركة في الحرب. وحين كان هناك من يقترح البدء بشراء خمسين الف سوداني، حدث نوع من الارتجاج في الخرطوم، وهي التي تعاني اساسا من مشكلات مصيرية عاصفة. ثمة خوف عميق من المتاهة اليمنية التي ابتلعت الاف الجنود المصريين، وان قيل ان المال السعودي الذي عبأ القبائل ضد جمال عبد الناصر، ولتحطيمه، كان الاساس في ما حصل. المال الان يعمل في اتجاه اخر. كيف يقاتل محاربوا الصحارى في الجبال؟
الخبراء الغربيون هم الذين تحدثوا عن « قطار الموت الى اليمن». واذ توجهت الانظار الى المغرب، تبين ان المملكة الشقيقة التي استضافت بعضا من تغريبة بني هلال لها مشكلاتها الهائلة ايضا.
وحتى عندما اثيرت مشاركة الاردن، كان الرد هو الاستعداد للمشاركة بالطيارين او بجنود مدربين على قيادة الدبابات لان الازمة اليمنية بتعقيداتها يمكن ان تستهلك عشرات الاف الجنود، ولا قبل للاردن بالمجازفة بمصيره. الدولة في الاردن هي جيش بالدرجة الاولى وبعدما تمكنت التنظيمات الارهابية من الاختراق الدراماتيكي لـ «السور المقدس» الذي كانت تمثله القبائل للبلاط الهاشمي..
مهما حاول بعض الاعلام التقليل من(هول) الصدمة التي احدثها الموقف الباكستاني، وبالاجماع المنقطع النظير، فإن الموقف اسهم في تغطية لاءات دول اخرى للتورط في مستنقع النار.
الخيار البديل واليائس كان بتعبئة القبائل، بطريقة البيع والشراء التي طالما اعتمدت في اوقات سابقة. هذا يعني دفع اليمن الى حرب اهلية طاحنة ومن دون اي افق، مع اعتبار التداعيات الكارثية لمثل هذه الحرب على الجوار..
واذا كان اصحاب الرؤوس الحامية والذين يعتقدون ان الغارات الجوية دمرت البنى الاساسية للحوثيين وحلفائهم، كما نجحت في تفكيك امكاناتهم اللوجيستية، وتصوروا او صوروا للناس ان الفتح المبين بات على مسافة قوسين او ادنى، فإن اصحاب الرؤوس الباردة يرون ان البديل المنطقي من حرب المائة عام. المفاوضات. ولو كانت مفاوضات المائة عام!