عن كثب/متابعات...
بوفاة الكاتب الألماني غونتر غراس، صباح اليوم الاثنين، تفقد ألمانيا والساحة الأدبية العالمية روائياً مثيراً للجدل ترك بصماته في المشهد الثقافي إلى جانب مواقفه السياسية الجريئة المنتقدة للاحتلال الإسرائيلي والمساندة للقضية الفلسطينية.
فقد أعلنت، صباح اليوم، دار "شتايدل" للنشر التي يمكلها الكاتب، على "تويتر"، أن "حائز جائزة نوبل للآداب غونتر غراس توفي صباح اليوم عن 87 عاماً في أحد مستشفيات لوبيك" في شمال ألمانيا.
وعلى صفحتها على الانترنت، نشرت دار النشر عدداً من الصور بالأسود والأبيض للكاتب الذي بدا كثيف الشاربين وبين شفتية غليون ويضع نظارتين كثيفتين.
وكان غونتر غراس اليساري المعروف بمواقفه المثيرة للجدل الكاتب الألماني الأكثر شهرة في الخارج، في النصف الثاني من القرن العشرين. عرف بقربه من العرب وزار اليمن أكثر من مرة وكان له صولات وجولات في مقارعة العدوان الإسرائيلي على فلسطين والبلدان العربية.
ولطالما كان الكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب في العام 1999، قيمة ثقافية وسياسية في بلاده، نظراً لنجاحه العالمي روائياً ولانخراطه في صفوف "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" الشريك الأساسي في الحكم اليوم. فقد نعاه المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، قائلاً إن السلطات الألمانية "تشعر بحزن عميق" بعد الإعلان عن هذا النبأ "المأساوي".
بدوره، أعرب الكاتب البريطاني، المهدور دمه، سلمان رشدي، عن حزنه أيضاً، قائلاً على صفحته في "تويتر": "انه لأمر محزن. عملاق حقيقي، ملهم وصديق"، ملمحاً بذلك إلى بطل تحفة غراس "الطبل الصفيح" التي لقيت انتشاراً عالمياً ونقلها إلى السينما فولكر شلوندورف الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان، وعلى جائزة أوسكار أفضل فيلم باللغة الأجنبية.
وبعد ظهر اليوم، يفتح سجل للتعازي في منزل غراس في لوبيك، بحسب ما قال مسؤول محلي لوكالة "فرانس برس".
ويُعتبر غراس أحد أهم الكتاب في العالم، إذ حازت أعماله على شهرة عالمية، لاسيما رواية "طبل الصفيح" (1959)، التي لقيت رواجاً كبيراً بعد نشرها في العام 1959 وترجمت إلى 24 لغة، من بينها العربية.
كما لديه عدد من الروايات أبرزها: "القطة والفأر" (1961)، "سنوات الكلاب" (1963)، "اللقاء في تيلغتي" (1979)، "الفئران" (1986)، "مئويتي" (1999)، "خطى السرطان" (2002)، "الرقصات الأخيرة" (2003)، و"تقشير البصل" (2006).
ولد غراس في السادس عشر من تشرين الأول 1927عام لأب ألماني وأم من أصول بولندية، في مدينة دانزيغ، المعروفة حالياً بغدانسك في بولندا، والتي كانت آنذاك تخضع لإدارة دولية. ودرس فن النحت في مدينة دوسلدورف الألمانية لمدة سنتين (1947ـ 1948) ثم أتم دراسته الجامعية في مجمع الفنون في دوسلدورف وجامعة برلين (1946ـ 1956) حيث أكمل دراسته العليا في جامعة برلين للفنون لغاية سنة 1956.
لذلك لدى غراس مواهب أخرى اشتهر بها فهو رسام ونحات ويتقن الرسم الغرافيتي.
حصل غراس في العام 1999 على جائزة نوبل للآداب عن دوره في إثراء الأدب العالمي، وخصوصا في ثلاثيته الشهيرة "ثلاثية داينتسيغ" بالإضافة إلى جوائز محلية مثل جائزة "كارل فون اوسيتسكي" (1967) وجائزة الأدب من قبل "مجمع بافاريا للعلوم والفنون" (1994). وفي العام 2005 حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة برلين.
وعلى الصعيد العائلي تزوج غراس وانجب ستة أبناء هم: هيلين وبرونو وراوول ولورا وفرانز ونيلي كروغر.
في السياسة الداخلية، وجه الأديب الألماني انتقاداً لاذعاً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل واتهمها بـ"الجبن السياسي" في التعامل مع قضية تجسس وكالة الأمن القومي الأميركية على ألمانيا.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية نُشرت في 23 تشرين الثاني 2013، قال صاحب قصيدة "الطبل الصفيح" إن: "السيدة ميركل جبانة سياسياً، فهي ليست قادرة على الاستفادة من سيادة جمهورية ألمانيا الاتحادية التي نحظى بها منذ الوحدة".
وأضاف الكاتب الحائز على جائزة نوبل للآداب: "أستطيع أن أذكركم فقط على سبيل المقارنة بالمستشار السابق غيرهارد شرودر الذي لم يشارك مع الولايات المتحدة وشركائها في حرب العراق، وقدم تعليلاً لذلك الأمر عرضه للغضب حتى من قبل الولايات المتحدة، في حين أن السيدة ميركل توجهت آنذاك إلى واشنطن وأساءت إليه هناك".
وطالب غراس المستشارة ميركل بحماية حقوق جميع المواطنين، مشيراً إلى أن الأمر لا يتعلق في المقام الأول بالتنصت على هاتفها، فهذا مجرد وجه واحد فقط، لكن الفضيحة هي "أننا تعرضنا جميعاً كمواطنين للتنصت والمراقبة بما يخالف دستورنا وأحكام قضائنا".
وفي إجابته على سؤال حول كيفية تقييمه لإعلان حكومة بلاده عدم اعتزامها منح حق لجوء سياسي لإدوارد سنودن العميل السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية، والذي كشف عن فضائح التجسس، قال غراس، الممنوع من دخول إسرائيل، إن المشكلة الرئيسية تتمثل في إبراز مسألة تحالف ضفتي الأطلسي، وهذا بالنسبة للأميركيين غير مهم "لأنهم يخالفون القوانين لمصلحتهم حتى على حساب حلفائهم، في حين أن ميركل تحجم ولم تستفد من سيادة بلادها. كما أنها لم تحم المواطنين من هذا التجسس الكبير". وأعرب غراس عن اعتقاده بأن على ألمانيا أن تمنح سنودن حق اللجوء شريطة أن يكون ذلك مرتبطاً بضمانات أمنية مناسبة.
لعل أبرز ما أثاره الكاتب قصيدته التي نشرها في 4 نيسان من العام 2012 تحت عنوان "ما ينبغي قوله"، في صحيفة "زود دويتشه" واسعة الانتشار. في هذه القصيدة ينتقد الكاتب اليساري دولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب تهديداتها بضرب المنشآت النووية الإيرانية، معتبراً ان هذه الخطوة تمثل تهديداً للسلام العالمي، واعتبر انه لدرء هذا التهديد يجب التكلم الآن، وأنه سئم من نفاق الغرب فيما يتعلق بإسرائيل، مشيراً الى أن أهوال النازية ليست ذريعة للصمت. كما انتقد في هذا النص الحكومة الألمانية بسبب بيعها غواصات يمكن تجهيزها بأسلحة نووية إلى إسرائيل، داعيا إلى وضع النشاطات النووية الإيرانية والإسرائيلية تحت رقابة دولية. وشنت وسائل الإعلام الألمانية، مثل "دي فيلت" و"دير شبيغل"، حملة عليه تتهمه بمعاداة السامية مذكِّرةً بأنه خدم في شبابه في قوات "إس إس" التي كانت تابعة للنازية ابان الحرب العالمية الثانية.