هل ندرك نحن اليمنيين بمختلف مكوناتنا وانتماءاتنا وتوجهاتنا السياسية والحزبية والفكرية والثقافية هول ما تتعرض له بلادنا في هذه الأيام من المصائب والمحن والنكبات ؟ وهل يعي كل منا فداحة الدمار البشري والمادي والاقتصادي والأيام العصيبة التي نمر بها ؟ وهل يحس كل منا بمسؤوليته الأخلاقية والوطنية في هذه اللحظة الفارقة والعسيرة التي تزهق فيها الأرواح والدماء بأشكال مختلفة من الجو والبحر والبر ؟ وهل نعرف بالفعل إلى ما نحن ماضون إذا ما استمر الحال القائم يحتدم دون توقف ؟ وهل نشعر أن الوطن الذي تغنينا به شعرا ونثرا يتسرب الآن كما يتسرب الماء من بين الأصابع ؟ وهل نحس في ذات الوقت أن الكثير من أبناء هذا الشعب في عدد من المدن والمناطق باتوا لا يرون من الحياة سوى ضنكها ولا يسمعون من لحنها غير أصوات الانفجارات ودوي المدافع والرشاشات وقصف الطائرات ؟ لا أريد أن أطيل في استعراض التساؤلات لكن القدر المتيقن إن الكثير منا مع الأسف الشديد قد أسقطوا من قاموسهم كل الإجابات إن لم يكن بعضهم قد اتجه إلى فك الارتباط بهذا الوطن واستبدله بولاءات أخرى تحت ضغط تقديس الذات أو الانتماء السياسي أو الحزبي أو الجهوي بعد أن أفرزت لنا الأزمة والحرب التي نتعرض لها المئات من المحللين السياسيين والمئات من دعاة الحروب الذين يظهرون يوميا من على شاشات الفضائيات مع أن الكثير إن لم يكن المعظم منهم (جديد الصنعة) ومتدرب وهاو سياسي لم ينشط يوما في العمل السياسي كما لم يشارك في نضال من أجل بناء هذا البلد أو في أية معارضة للأنظمة التي تعاقبت عليه ولم تكن له أية مشاركة في أي حوار لبناء مستقبل أفضل بل انه وجد نفسه فجأة ومن دون مقدمات كافية محللا أو ناشطا سياسيا أو مناضلا تاريخيا من حقه مثلا دعوة أبناء الجنوب إلى خلع وطنيتهم ووحدويتهم ومطالبة مستعمرهم البريطاني القديم بالتدخل وإعادة احتلال أرضهم بذريعة أن الاحتلال البريطاني أرحم لهم من سيطرة الحوثيين على مناطقهم، والأكثر من هذا فقد وجدنا في الواقع من هو عاتب على الأمريكيين والأوروبيين عدم استجابتهم للمشاركة بطياراتهم في عملية (عاصفة الحزم) وهو منطق لا يقبل به الدين ولا السياسة ولا الوطنية . من حق كل إنسان بالطبع أن تكون له رؤيته في طبيعة ما يدور اليوم في الوطن لكن ليس من المنطق أو الرشد أن نجعل من خلافاتنا السياسية وصراعاتنا على السلطة تقذف بنا إلى وسط بحر هائج من الأمواج المتلاطمة مع توالي ولادة الأحداث المأساوية يوما بعد آخر ومع متاهة الصخب والخلط العجيب للأوراق كما هو حال من يعتلون اليوم منابر الفضائيات والذين غلبت على بعضهم نزعة الكراهية والشماتة وتصفية الحسابات إلى الحد الذي أصبحوا فيه لا يتوارون خجلا وهم يقسمون هذا الوطن طائفيا ومذهبيا وجهويا لمجرد اختلافهم مع هذا الطرف أو ذاك أو تحفظاتهم على طريقة التعامل مع حقيقة الأزمة التي يمر بها اليمن والتي تتداخل معها معضلة وطن مفتقد وضائع ويبحث على أمل النجاة فضلا عن مشكلة إنسان لا يعرف أين هو انتماءه وكيف له أن يصل إلى اليوم الذي يعيش فيه آمنا على دمه وماله وعرضه . والمؤلم أن هؤلاء الذين يغامرون بمصير هذا البلد عن طريق شيطنة خصومهم لا يجهلون بأي حال من الأحوال أن الأوضاع المأساوية التي تحيق باليمن لا يمكن لها أن تحل من خلال أي عمل عسكري أو تدخل إقليمي أو دولي بل أن الحل سيبقى في يد اليمنيين أنفسهم الذين لا خيار أمامهم سوى القبول ببعضهم البعض وتجاوز تراكمات الأحقاد التي امتلأت بها الصدور والنفوس ووجدت من يغذيها في دواخلهم إلى درجة غاب فيها صوت العقل وحل محله التطرف والتعصب والفهم الضيق كما أن هؤلاء لا يعوزهم الوعي بأن اليمن في هذا المنعطف الصعب أحوج ما يكون إلى أن يشد بعضه بعضا وأن يشعر كل مواطنيه أنه ملكهم جميعا وأن لا أحد يستطيع أن يحتكره لنفسه . إن التخندقات والاصطفافات التي يجد اليمنيون أنفسهم فيها اليوم هي من أوصلتنا إلى المنزلق الراهن وما نخشى منه أن ندخل في نفق لا نستطيع الخروج منه بعد أن نكون قد قسمتنا السياسة إلى فرق وشيع وجماعات وطوائف وقبائل وملل ونحل غير قادرة على التعايش مع بعضها البعض وبالذات وان هناك طابوراً صار ينفخ في هذه الروح الانقسامية لكونه لا يريد بقاء اليمن موحدا بل يطمح أن يصبح منقسما على أهوائه والنزعة المسيطرة عليه ولا نعتقد أن مثل هذا الطابور الانتهازي يحس بأوجاع كل اليمنيين الذين ينامون ويصبحون على فاجعة جديدة لأن كل من في داخل هذا الطابور هو من سيترك ويهرب إلى حيث حاضنته التي ستحميه فيما لا حاضنة لهذا الشعب سوى اليمن موحدا يتعايش فيه الجميع ويقبل بعضهم البعض من دون إقصاء لأحد أو تهميش لطرف أو فريق أو جماعة أو فرد. المصيبة أن الذين يتصارعون على تقاسم النفوذ في اليمن والمنطقة هم في الأخير من تجمعهم المصلحة، فهاهي واشنطن التي كانت توصف بـ(الشيطان الأكبر) تتوصل أخيرا إلى اتفاق مع إيران بشأن البرنامج النووي ولن نتفاجأ أيضا أن نجد طهران تتصالح مع خصومها في الإقليم وتحديدا الدول الخليجية فيما نحن كأبناء وطن واحد نختلف على كل كبيرة وصغيرة بعد أن سيطرت علينا عبودية الذات لنصبح أمام الآخرين مجرد أضحوكة وهم يروننا نهرب من مواجهة حقائق فشلنا وتخلفنا بمثل تلك الخلافات العمياء والبلهاء التي لا أول لها ولا آخر. أَفَلاَ نتقي الله في هذا الوطن الذي إذا ما ضاع فإننا سنضيع بعده جميعا؟
صحيفة الثورة