...إنها حرب بليدة تلك التي يقودها النظام السعودي ضد دولة اليمن وشعبها, وهي حرب ظالمة , و تدخل غير مشروع في الحراك اليمني الداخلي وتصعيد لتناقضاته الحادة في اتجاه مأساوي : قتل ودمار ونزوح وتشرد .. ومزيد من انسداد أفق حل سياسي توافقي يحفظ وحدة اليمن وسيادتها ويحقق مطالب "ثورتها المغدورة".
إن النظام السعودي الذي "يلهج " ب " الاعتدال ", ويقبل بكل أجندة السلام الأمريكي الصهيوني ويحمي معاهداته المذلة, هو من يستأسد اليوم على شعب اليمن الطيب, وذلك بتغرير وتحريض من مؤلفي سيناريو" الفوضى الخلاقة " ومخرجيه.. هي حرب وراءها دوافع ورهانات جيوستراتيجية كبرى للقوى النافذة دوليا وإقليميا ,وقع النظام السعودي في فخها , ولن يخرج منها إلا ضعيفا , معزولا خارجيا ومهتزا داخليا , فليس صحيحا أنها حرب تخوضها السعودية نيابة عن سنيي العالم الإسلامي ضد إيران راعية شيعته, إنه ادعاء لا يصمد أمام ما باتت تفرزه يوميات هذه الحرب الغبية من حقائق أولية, أذكر منها:
1_ الشعب اليمني تظاهر في جميع محافظات اليمن مباشرة بعد القصف السعودي , حيث خرج بكل أطيافه وطوائفه وأحزابه على اختلاف مرجعياتها ليندد بعدوان النظام السعودي ,ويعلن رفضه لأي حل لأزمته السياسية بالقوة الخارجية .
2_ بداية شعور بعض حلفاء السعودية في هذا العدوان بضرورة تغيير الاتجاه نحو المفاوضات والعملية السياسية وحديثها المبكر عن " حل تفاوضي " . ولاشك في أن إعلان باكستان اليوم عن ضرورة الحل السياسي ورفضها تلبية الدعوة السعودية للانضمام إلى التحالف العسكري لذو دلالة في هذا السياق .
3 _إن إيران التي "يسوق" السعوديون بأنها هي التناقض الرئيسي في المنطقة , ويراهنون على تقليص نفوذها الإقليمي انطلاقا من أرض اليمن , "تلعب "على مستوى أعلى : بلوغ اتفاق تاريخي استراتيجي يفتح لها باب الاعتراف الدولي باعتبارها رقما حاسما في السلم والحرب في المنطقة , وهو ما تحقق لها منه الكثير بعد بيان نهاية جولة المفاوضات أمس, وبخصوص حرب اليمن عبرت إيران عن استعدادها لوساطة سلمية , ستكون الرابحة فيها دون شك .. ودون خسائر .
4 إن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها نفسها تتعامل ببرودة مع ما حصل ويحصل في اليمن, فلاشيء الآن يعلو ,في اهتمامات أوباما اليوم ,على الملف النووي الإيراني وضرورة تحقيق إنجاز له فيه ..
وهكذا سيكون المستفيد الأول والأخير من هذه الحرب البليدة هي إسرائيل , فكل ثقب في الجسد العربي الإسلامي يسمح لها بمواصلة مخططاتها التهويدية والاستيطانية في " صمت وسلام", وبمزيد من الإنفراد بشعب فلسطين, قمعا وتنكيلا .وإضافة لهذا الربح الإسرائيلي المضمون , ستحقق التنظيمات الإرهابية اختراقات جديدة ومواقع أقوى لها على الأرض ,خاصة تنظيم القاعدة , الذي استولى نهار اليوم على محافظة المكلا باليمن.
إن حرب اليمن ستجلب على المنطقة كوارث أكيدة وجديدة ستضاف إلى ما يجري بسوريا والعراق وغيرهما , كما ستنعكس سلبا على داخل " حارسة الحرمين الشريفين " وحينها سيصح عليها قول " جنت على نفسها براشق " ..
أما بخصوص الموقف المغربي , فهو مبدئيا غير مقبول ,رغم محدودية ورمزية المشاركة المغربية في التحالف ضد اليمن , والأمل أن تتم مراجعة هذا الموقف قبل فوات الأوان ,خاصة أن بلدنا له من المؤهلات ما يجعله قادرا على فعل إيجابي سياسي تفاوضي على أرضه البعيدة عن مناخ المنطقة المأزومة , وفي انتظار ذلك لابد من موقف شعبي مناهض لهذه الحرب التأزيمية و"اللاعقلانية" ..
لماذا التزمت جل أحزابنا, الصمت المخجل, واكتفت بالموقف الرسمي ؟ ما أصعب أن تكون لديك عشرات الأحزاب جلها بلا قضية .. ولا استقلالية في الرأي والموقف .