علي جعبور
...لا أحد غرس فيّ حب القراءة. اثنتي عشرة سنة قضيتها بين جدران المدرسة قلما عرفت خلالها الإثارة والتشويق.
في السنوات الأولى كان الأستاذ يضربني بقسوة، وفي البيت يشير أبي برأس قلم الرصاص المدبب، مثل صاروخ، الى الحرف فإن عجزت عن معرفته، غرس الصاروخ في جانب رأسي. وفي السنة الثانية عشرة كان المدرسون الودودون ينظرون إلى محتوى جيوبنا أكثر مما ينظرون إلى محتوى عقولنا.
إذ كلما اقتربت الإمتحانات الوزارية، إلا واقترب المغنم، فوحدها جيوب الغشاشين الفاشلين ستدر عليهم، في بضعة أيام، مالم تدره عليهم الوزارة في سنة كامله.
لقد كانوا جميعا شلة من المتآمرين وليسوا أبدا معلمين. "ولكل قاعدة استثناء".
ماذا يعني أن تكون مدرستك بلا مكتبة، أن تمر كل هذه السنوات دون أن يطل عليك أستاذا واحدا، ولو لمرة، وفي يده كتاب من خارج المقرر أو أن يقول لك إقرأ، إقتنِ مزيدا من الكتب، فكر، تأمل، أبدع..
أرادوا لنا أن نكون أذكياء، فقط، في تلك المناهج الرديئة وأن نحفظ نصوصا ركيكة ونردد دائما: "من علمني حرفا صرت له عبدا".
كانت سنوات الدراسة أكثر فترات عمرنا نشاطا وإبداعا وتلهفا للجديد، لكنهم أعدموها بصواريخ تخلفهم..
كان يمكننا أن نقرأ فيها مئات الكتب ونكون ثراء معرفيا هائلا.
لكن، واحسرتاه، ما كان لأي طالب أن يصبح مبدعا، أن يأتي بأفكار ملهمة وخلاقة وغريبة عن فهم المدرس الكسول.
لأنه لو فعل فسيكون مثارا للسخرية ويقابل، فورا، بالتجاهل القاتل، فكل أستاذ كان مقتنعا بأن يظل مستوى طلابه أقل من مستواه هو، حتى يبدو دائما ذلك الأعور المتباهي بعينه الوحيدة وسط جيش من العميان.
لقد وقفوا بكل ما أوتوا من قوة، بوعي منهم أو دون وعي، في طريق أن نصبح رؤوسا شامخة، مشيرين علينا باستمرار أن نبقى ذيولا متواطئة وقابعة، أبدا، في المؤخرة.
لذلك، لا يعنيني الآن أمر الحرب والسلم، الموت والحياة، الوطن والتشرد، ولا أي شيء آخر أبدا أبدا..
كل ما يهمني هو إكمال قراءة هذه الرواية التي بين يدي لأنتقل لأخرى تنتظر.