GuidePedia



...
بإمكان سلمان بن عبد العزيز القول إنّه حقّق بيعة ملكيّة كاملة. وبإمكانه، بعدما استوى على العرش، أن يختتم ولايته من اليوم. لم يكن ليخطر في باله، يوماً، أن تتقاطر الإدارة الأميركيّة، بقضّها وقضيضها، إلى قصره في الرياض لتصطف مقدمة التعازي، مثلها مثل باقي الرعايا.
الحفاوة بين الجانبين الأميركي والسعودي غالباً ما تكون مضبوطة، ولا تخرج إلى العلن إلّا في ما ندر. لكنّ الظروف الخاصة تقتضي مقاربات استثنائية، وتطمينات من أرفع مستوى. وكان واضحاً من تشكيل الوفد الرئاسي الأميركي حرصه الشديد على أن يكون وفداً شاملاً تمثّل فيه «الجمهوريون» مثل «الديموقراطيين»، إن لم يكن بصورة أكبر. الملفات العالقة بين الطرفين تعتبر مسألة أميركية أمنيّة حيوية متواصلة منذ أيام اكتشاف النفط تحت الرمال السعودية قبل ثمانين عاما.
واشنطن تبتعد في السياسة أحيانا عن الرياض، في الوقت الذي تقترب من حدودها أزمات مشتعلة. فالجدار الفاصل، الذي تبنيه المملكة على حدودها الجنوبية، لن يمنع الحريق اليمني من التمدّد، ولا الغارات الجوية على العراق وسوريا ستخفّف من شعبيّة «داعش» بين شبابها وشيوخها، ولا العقوبات المالية ستحوّل النووي إلى طاقة شمسية، لذا يتواضع الجانبان عادة في إظهار عواطفهما.
لكن الملك سلمان، الذي استقبل الزوار الأميركيين عند باب الطائرة، يبدو في حاجة لجرعة شرعية دولية لإدارة انتقال السلطة وابقاء هذا الانتقال سلمياً، بينما ينتقل من جيل إلى جيل. وهذا هو تحديداً مضمون الرسالة الأميركية. وكأنّما الوفد الاميركي قد جاء ليقول إنّ واشنطن، باختلاف توجّهاتها، ستبقى إلى جانب المملكة، ولو اختلفت معها على ملف من ملفات المنطقة. وتقول أيضا، إنها مع أيّ حكم يسود في المملكة: جيل جديد أم جيل قديم، المهم الإبقاء على الاستقرار الداخلي.
واشنطن تتعاطى مع مراكز القوى والنفوذ بين آل سعود على قاعدة هارون الرشيد عندما خاطب غيمة عابرة: «أمطري أين شئت فإنّ خراجك عائد لي». وهي لن تدخل في مناورات البلاط، مدركة أن أي تغيير لن يحصل، وأن أي ربيع لن يعبر الربع الخالي، علماً أنّ الإدارة الأميركية ستبقى تردّد أنّها تسعى، مع حلفائها، إلى تحسين ظروف حقوق الانسان والحريات العامة، وأنّها بالتأكيد تراعي خصوصيتهم الدينية والاجتماعية. باراك أوباما ليس في حاجة الى أن يفسّر لزوجته كيف لم تصادف سيدة أولى، أو أي امرأة أخرى بين مستقبليها، ولو اقتضى الأمر ان تفكّر أنها كانت تزور كوكباً آخر.
سُئِل الملك المؤسس عبد العزيز، لماذا وقّع معاهدة تعاون مع الولايات المتحدة وليس مع بريطانيا، فقال: لرد الجميل الى الرئيس فرنكلن روزفلت، بسبب المعونات المالية التي قدمها إلى المملكة خلال الحرب الثانية، ولإبعاد الانكليز عن التدخّل المباشر في بلده، مثلما يفعلون في العراق والهند، موضحاً أنّ أميركا بعيدة ما يكفي كي لا تتدخّل في الشؤون السعودية الداخلية، وشركاتها النفطية مستقلة عن الإدارة السياسية. ومنذ ذلك الوقت، تحوّلت شركة «ستاندرد اويل اوف كاليفورنيا» إلى «ارماكو»، وبدأت العلاقات الأميركية السعودية مساراً لم يتبدّل. فات الملك المؤسس أنّ واشنطن أقرب بكثير من الواقع الجغرافي، وأن شركات النفط هي السياسة.


نقلاً عن جريدة السفير

Facebook Comments APPID

 
Top