للإنتقام بروح الثأر ، والإمعان في إذلال الخصم، ضحايا آخرون غير الأنفس التي تُقتل والأرواح التي تُزهق والأمهات اللائي يثكلن والزوجات اللائي يرملن، والأطفال الذين يُيتّمون، هناك ضحايا آخرون، فليس مستغرباً أن للثأر ضحايا من الجمادات، تلك الأشياء الساكنة في مكانها، التي لا تقوى على الحركة حتى تدافع عن نفسها، حق الدفاع عنها مناط بالبشر الذين يجيدون فن الانتهاكات وامتهان كرامة بعضهم بدافع غريزي يكرس ثقافة البقاء للأقوى.
البشر الذين ينتهكون حقوق بعضهم وابرز تلك الحقوق الحق في الحياة، نجدهم يمارسون انتهاك الجمادات وبدم بارد، ويربطون أفعالهم تلك بالرجولة التي لو كان لها لسان لتبرأت منهم على رؤوس الأشهاد.
انه العجز الناتج عن غباء مركب حين يذهب احدهم للانتقام من مصلحته تعطيلاً أو توقيفاً أو تدميراً، فما ذنب المدرسة حين تغلق أو تنسف بعبوات تدميرية؟ وما الجرم الذي ارتكبه المشفى حتى يتعرض للإيقاف عن العمل جراء حماقة أعيت من يداويها؟
ليس ذلك من الرجولة، ولا من العقل، و لا من الجنون الذي له فنونه وطقوسه الخاصة به. المجانين لا يفعلون ذلك، إنهم العقلاء الذين يفتقدون للعقل وحكمته، مهما كانت درجة الغضب وارتفاع نسبة الانتقام في النفس الأمارة بالسوء فأنها لا تعطي صاحبها الحق في الانفلات من عقال المنطق، والانسلاخ من قيم الإنسانية التي تحقق التعايش بكرامة للجميع وفق قاعدة المواطنة المتساوية.
لقد أصبح القتل ظاهرة في مجتمعنا.. القتل بالمجان وبالجملة..صرنا لا ننزعج عند سماعنا لأخبار القتل والتفجير والعبوات والأحزمة الناسفة. أصبحت أخبار روتينية تتصدر وسائل الإعلام وأحاديثنا..فكيف لنا أن ننزعج من تعرض الجمادات للتفجير والتدمير والنهب المدمر؟!
الحياة قصيرة، لكنها باتت محاصرة بعبوات ناسفة، اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية وإرهابية، كلها تحمل مؤشرات الانفجار الوشيك، افتقد فيها الناس للأمان الشخصي منذ زمن بعيد، وصارت الأشياء في نظرهم إما متفجرة أو تأخذهم على طريق الانفجار.
حتى الأماكن كلها مشتاقة له، لا لتمنحهم دفئها وحميميتها، إنما لتأخذهم وتفرم أجسادهم ببعض، على أنغام عبوات محشوة بروح الانتقام من الحياة.
الناس هنا لا يملكون من الحياة إلا الحياة ذاتها، فلماذا تستكثرونها عليهم؟! دعوهم يعيشوها كما أرادوا، واحملوا مشاريع الموت بعيداً عنهم. وتذكروا إن من أحياها فكأنما أحياء الناس جميعاً.