عن كثب/متابعات....
عرض فيلم "الزين الي فيك" للمخرج المغربي نبيل عيوش ضمن قسم "أسبوعي المخرجين" على هامش مهرجان كان، وتناول فيه حياة عاهرات من مدينة مراكش.
عرض في كان فيلم "الزين الي فيك" Much Loved للمغربي نبيل عيوش، ويتناول الفيلم
حياة بائعات هوى من مدينة مراكش. فيترك عيوش الواجهة السياحية للمدينة
ليدخل في قلب المدينة القديمة وروحها النابضة بأقسى الأوضاع وأحلى
الشخصيات.
وصرح نبيل عيوش الذي حضر الفيلم وسط جمهوره في كان، أن
فريق الممثلين يضم مهنيين وهواة فقال "التقيت فتيات يعشن في هذا الوسط أو
حوله، وحاورتهن وشدتني الحماسة التي تميزهن، فاقترحت على بعضهن أن يلعبن
دورا في الفيلم" ...دورهن في الحياة. وتوخى عيوش أسلوبا قريبا من الوثائقي
ليبسط في الفيلم واقع أقدم حرفة في العالم ووطأته. واعتاد المخرج المغربي
الناجح إثارة الجدل عبر مواضيع تبحث هوامش المجتمع على غرار استغلال
الأطفال والتطرف الإسلامي ... وأكد أنه يغذي "منذ زمن طويل" فضولا خاصا
و"انجذابا عميقا لا أعرف تفسيره، بالمهمشين".
ويركز عيوش نظرة لا التفاف فيها ولا تجميل ولا مسكوت عنه، تتجاوز كل
الحدود، على هؤلاء النساء، لكنها تلفهن في نفس الوقت بالكثير من الحنان
فكأنهن يفرغن كل ما على عاتقهن من وزر القدر. ووصف عيوش بالـ"صدفة" لقاءه
معهن فأكد "أتاني أحدهم وأخبرني أن الفتيات شاهدن بعض أفلامي وأنهن يرغبن
في التحدث إلي. أخذت سيارتي وذهبت إليهن فقضيت يومين بينهن وأعطينني الرغبة
في العودة مرارا لزيارتهن". وكأن موضوع الفيلم هو الذي ألح وفرض نفسه
بنفسه وربما حتى حل محل المخرج.
هكذا يصنع عيوش ما لا يصنعه غيره عبر تسليط الضوء على أبسط تفاصيل حياة
العاهرات، أبشعها، دون أن يحكم على شخصياته. بل ويرفع عنهن كل الأفكار
التي تجعل المجتمع يلفظهن. تكسر كاميرا عيوش النمطية الموروثة عن الدعارة
وتقلب طرفيها : فمن العاهرة : النساء أم زبائنهن ؟. بلا رحمة يوجه الفيلم
أصابع الاتهام إلى بعض الأثرياء السعوديين الذين "يشترون" المغربيات
ويستغلهن جنسيا، مع سلسلة الحكايات التي نعرفها حولهم من إسراف في البذخ
والخمر والمخدرات. ولا يفلت الأوروبيون من السخرية فتتجنبهن النساء لبخلهم!
إذ تتميز لغة عيوش بالهزل الذي يميز شخصياته في مواجهة واقع قاس، لا
يتفادى التطرق إلى مختلف أبعاد هذا الوسط الذي يجمع مختلف أشكال التهميش
ويمس شرائح مختلفة من المجتمع. الفيلم لوحة حية عن هذا الوسط "التحتي" في
مراكش ، فيشمل استغلال الأطفال والعلاقات المثلية المدفوعة بين النساء،
ومسألة المتحولين جنسيا.
وباستثناء "سعيد" الذي يحمي النساء ويعتني بهن، يظهر أغلب رجال الفيلم في
شخصيات "سلبية"، وأكد عيوش "كل ما سمعته ورأيته يتجاوز بكثير ما ترونه في
الفيلم". ويعرض الفيلم مختلف مستويات العنف النفسي والجسدي اللذان يتعرضن
له بائعات الهوى فيتحولن وسط "آلة الدعارة" هذه إلى "أشياء ذليلة ووحيدة"
حسب قول المخرج. وتعيش إحدى النساء قصة حب مع رجل بسيط من خارج "الميدان"،
رغم أنه لا يجهل نشاطاتها المهنية. وفي إحدى أكثر المشاهد تعبيرا، تعطيه
الفتاة بعض المال إثر ممارسة الجنس لتساعده فهو مثلها من طبقة اجتماعية
فقيرة. ويظهر بذلك الفيلم عجز الزبائن الحقيقيين، فهل يشترى الحب ؟
ومن التعقيدات الأخرى، تلك التي تدور داخل
العائلة. فنرى أم إحداهن تطالب ابنتها بالمال لتعيل الأسرة، وفي نفس الوقت
تدعوها إلى التوقف عن التردد على بيت العائلة "لأن حديث الجيران كثر". فمن
القواد ؟ وتظهر الدعارة كأنها أخطبوط متعدد الأطراف أو بالأحرى متعدد
الرؤوس، وهؤلاء النساء في النهاية بريئات من العهر الذي يدفع إليه المجتمع
الظالم والمستهلكون الجائرون والعائلة الخانعة.
وقالت بطلة الفيلم لبنى أبيدار التي حضرت العرض مع نبيل عيوش "كبرت في
ذلك الحي الشعبي فعايشت كل هذا وأنا من هناك" وتابعت "كل هذا الوسط متواجد
في قلب المدينة القديمة" في مراكش و"يحاولون إخفاء ذلك". وعن كل مشاهد
الجنس المصورة في الفيلم قالت لبنى "أعرف أنني سأواجه العديد من المشاكل في
بلادي لأنني عربية ومسلمة لكني لست نادمة على أي شيء وأنا فخورة بأنني
عملت مع نبيل الذي يفتح الباب لكل هؤلاء النساء لأنهن في كل مكان ولا أحد
يريد رؤيتهن !"
وبدى نبيل عيوش واعيا بدوره بالجدل الذي قد يثيره في
بلاده لكنه أكد أن "إثارة القلق هو دور السينما. فأتمنى أن يساهم الفيلم في
الدعوة إلى الحوار بشأن وضع العاهرات في البلدان العربية وحتى في أوروبا
وأمريكا"، بل وحتى "سأكون سعيدا إذا أثار الجدل وساهم في فتح الآفاق وتغيير
الأوضاع وتسليط الضوء على هذا الواقع".
فرانس24