GuidePedia


......
أهلي هم كل العرب الذين يسكنون ما بين شواطئ الأطلسي وشواطئ الخليج وهم والحمد لله كثر، ومنهم القريب ومنهم البعيد، وهم كما يعلم الجميع يتكلمون لغة واحدة ويتنفسون ثقافة روحية وإبداعية واحدة. لكن الرسالة التي أود أن أبعث بها على صفحة هذه الجريدة اليومية خاصة وموجهة لأهلي الأقربين، هؤلاء الذين أشاطرهم السكن والعيش في هذا الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية. وما يقال من أن الكائن البشري لا يختار المكان والزمان اللذين يولد بهما، فإنني أؤكد أنني لو خُيرت مكان ولادتي ما اخترت إلاّ أن يكون في هذه البلاد وذلك عن رضاء واقتناع تامين. ولست من أولئك الذين يتذمرون من أماكن ولادتهم ولا من الذين يجدون في الأزمات والمحن الطاحنة التي يتعرض لها موطن ولادتهم فرصة لإظهار سخطهم على الأقدار والظروف التي اختارت لهم الولادة في هذا المكان
لا في غيره من أرض الله الواسعة، وفيها أماكن عالية الثراء رائعة الجمال.
   وفي هذه التوطئة ما يجعلني أثق في أن رسالتي ستجد ما تستحقه من الإصغاء والتقبل وشيئاً من الإدراك والتأمل لاسيما في هذه المرحلة التي وصلت منها بلادنا وأوصلها الآخرون إلى درجة من اللامعقولية كاد معها النسيج الوطني يتفسخ ويتمزق، ويتحول بعده الأخوة أبناء العائلة اليمنية الواحدة إلى أعداء يمتلك بعضهم من الشراسة ما لا تمتلكه وحوش الغابات. وهي حالة نادرة واستثنائية تعتري بعض البشر عندما ينضب في وجدانهم معين الدين، وتتحكم فيهم الأطماع وتستشري الفوضى واللامبالاة، يساعد على ذلك غياب القانون واختفاء الشعوب بالمسئولية، وما يصاحبه ذلك كله من استمرار الأطراف المتنازعة من أبناء العائلة اليمنية الواحدة في قتل بعضها دون إشفاق ولا رحمة. وهو ما يستدعي لا كتابة الرسائل وإنما الخروج إلى الشوارع والميادين والصراخ ما تستطيعه الحناجر من أصوات.
   ومن هنا تبدأ سطور الرسالة التي أتمنى أن تصل إلى أهلي في شمال الوطن وجنوبه، في شرقه وغربه، وهي تأتي بعد ما كانت تظنه صمت الصواريخ والقذائف المدمرة وبعد خفوت أصوات المضادات، وبعد أن بدأت النفوس والأعصاب تستعيد هدوءها نسبياً وأول جملة في الرسالة تؤكد للناس للشعب أن الخلافات الدائرة في أوساط السياسيين في بلادنا ومنذ فترة طويلة تقوم على التنازع السياسي والاستئثار بالسلطة. وأن لا مكان في هذا الصراع للدين أو الطائفية أو المذهبية. إنه صراع سياسي رديء ومتخلف ولا يصح، بل لا يجوز أن نختار له لباساً دينياً أو طائفياً وأن لا نستجيب بغباء لمخططات الأعداء الذين لا يرسمون خارطة لتمزيق بلادنا وحدها وإنما يرسمون خارطة أوسع للوطن العربي بأكمله وللعالم الإسلامي بأكمله أيضاً. ويرون في هذا النهج التخريبي الخبيث ما يحقق أهدافهم في تدمير العلائق الوثيقة بين أبناء هذه الشعوب والأوطان حماية لمصالحهم من جهة ولكي ينعم الكيان الصهيوني بالأمن والاستقرار. ويكون هو القوة الوحيدة والمتماسكة في المنطقة كلها.
   ومن يقرأ بإمعان شديد وإخلاص مبرأ من الانحياز تاريخ بلادنا للعشرة القرون الأخيرة لا يجد أثراً للصراع الطائفي أو المذهبي، وإنما يجد سلسلة من الصراعات السياسية الدامية للاستيلاء على حكم البلاد كلها أو بعضها . وأغلب هذه الصراعات كانت تتم بين أبناء الطائفة الواحدة المتنافسة على النفوذ وأحياناً بين أبناء الأسرة الواحدة حدث ذلك في جنوب البلاد وشمالها وفيما عدا تلك الصراعات السياسية على الحكم فقد عرفت بلادنا قروناً من التعايش العظيم بين الطوائف والمذاهب. ولم يكتب التاريخ عن وقائع أو أحداث كان سببها طائفياً أو مذهبياً على الإطلاق. السياسة وحدها المنطلق للخلافات الحادة والدامية. وفي سبيل الاستيلاء على الحكم كانت تراق الدماء وتزهق الأرواح. ويكاد تاريخ العالم يؤكد حقيقة أن ذلك كان شأن كل الشعوب ولم يهدأ التنازع الدموي على السلطة في أوروبا –على سبيل المثال- إلاّ بعد الاحتكام إلى العقد الاجتماعي الملزم للحاكم والمحكوم وبعد اكتشاف نظام الانتخابات وتمكن كل شعب من اختيار حاكميه عبر الاقتراع وفي إطار مبدأ تداول السلطة.
   ذلك جوهر رسالتي إلى أهلي في هذه البلاد، وتبقى فيها إشارة أخيرة وقصيرة عن أهمية وضرورة استنهاض الضمير الوطني المغيب للقيام بدوره في مواجهة كل ما يؤدي إلى تمزيق الوشائج الوطنية ودحض الأكاذيب والإشاعات التي تؤدي إلى استمرار الاقتتال الداخلي تحت أية لافتة كانت. ولا مناص للمكونات السياسية من تطهير نفوس أتباعها من الأضغان والأحقاد التي كونتها سنوات من التعبئة الخاطئة التي في مقدورها تدمير العقول وتدمير الوطن في آن واحد.

Facebook Comments APPID

 
Top