علي ربيع
...........
أشار للباص وصعد إلى جواري، وفي يده الكلاشنكوف يحنو عليه كطفل، تفرست ملامحه قبل أن أبدأ معه الحديث، وجهه جاد وإن بدا عليه الإعياء، قدرت أن سنه بين الثامنة عشرة والعشرين، لم ألحظ شعار الصرخة على بندقيته، من هيئته قلت إنه من مأرب أو صعدة، وحين تكلم بدا لي أنه من الجوف.
ردا على سؤال حذر من جهتي حول آخر الأخبار قال مأرب محاصرة من جهتين على بعد كيلومترات من المدينة، وقريباً سيتنهي الأمر!
عرفت حينها أنه من اللجان الشعبية التابعة للحوثي، ومع استمرار الحديث عرفت أنه أصيب وجاء لتلقي العلاج.
مد يده بقوة للأمام وقال لا أحس بها،وهو يقبض أصابعه على كفه، يبدو أن شطية أو رصاصة أصابت العصب في الذراع لم أسأله عن التفاصيل.
أضاف: أشعر بضيق صدر في صنعاء ووحشة، سأعود غدا إلى الجبهة، السيد وجهنا بعدم اقتحام المدينة أو ضربها بالسلاح الثقيل.
أسأله عن طبيعة المواجهات، كان على قدر عال من الفروسية، وممن يحترم الخصم، قال، وقود الحرب رؤوس الرجال، يموت منا ومنهم الأشجع، لكنا سنهزمهم هي مسألة وقت فقط.
أكد أنه قاتل في الضالع وعدن وشبوة وقال"الأمور سهلة هناك والمواجهات ليست خطيرة كما هي في مأرب".
سألته ليش رجعت مأرب من الجنوب؟! قال توجيهات جاءت لنا لدعم الجبهة،
لم أسأله عن اسمه أو منطقته، المسافة كانت قصيرة جداً قبل أن أصل وجهتي وأطلب من السائق التوقف.
حرك رفيقي يده في جيبه وأخرج قطع معدنية لم أتبين عددها وكأنه يتفقد أن لديه ما يكفي لأجرة الباص، أو ليعتذر مني بحصافة أنه ليس معه غيرها وإلا كان سيدفع عني، لست متأكداً مما كان يدور في باله.
ودعته بإيماءة من رأسي وناولت السائق مائة ريال قلت له حساب اثنين، صاح صاحبي من مقعده لا يمكن، لكني أصريت وأنا انسحب مبتعداً إلى الرصيف فيما كان الباص يبتعد رويداً رويداً ويبدأ في التسارع!
حدثت نفسي كم هي قاسية وتعيسة ظروف هذي البلاد التي رمت بأفضل بنيها وأشجعهم في مواجهة الموت وكم هي قبيحة ودميمة صراعات الساسة اليمنيين الذين فشلوا في كل شيء إلا في تسريع عداد الجثث اليومي وتقطيع أوصال اليمن بسكاكين الخيانة وقذائف الكراهية!