...لنتذكر سوياً القول المأثور لسيادة اللواء محمود حجازي: “مع احترامي للقومية العربية، بس اللي عايز حاجة يدفع، أنا عندي شعب جعان ومتنيل بنيلة، وهما فلوسهم متلتلة وعايشين حياتهم بالطول والعرض”.
ومن الواضح أن من يعيشون حياتهم بالطول والعرض قد دفعوا، ومن ثم فقد ذهبنا إلى حرب اليمن، دون حتى أن يفكر الإعلام في تبرير حقيقي، يمكن أن يقنع به العامة من الناس.
في البداية، ظهرت حمى “باب المندب”:
من هم ألد أعدائكم؟
باب المندب
من قتل كلثوم؟
باب المندب
وسلمى وذئيب؟
باب المندب
أتتركون ثأركم من باب المندب؟
لااااا.. نحن نعيش لهذا الثأر..
إذن.. بص ع الخريطة.
(من فيلم الشيماء بتصرف).
وقبل أن تنظر على الخريطة التي أوصاك بها الإعلام واللجان الإلكترونية الذين أشعروني بأنهم يضعون الخريطة على حائط بهو منزلهم، ويصلون كل يوم أمامها، فقد علمت عزيزي المواطن أن باب المندب تحفظه قوات دولية، وأن به قاعدة أمريكية وقاعدة إسرائيلية، ولا يمكن لجماعة صغيرة مثل الحوثيين أن تتمكن منه ويصل بها الأمر أن تغلقه لتضر بقناة السويس، هذا محض خيال وهراء، ولن تكون مصر هي المتضرر الأكبر من غلق قناة السويس، فهذا المستحيل – إن حدث – ستقوم حرب عالمية ثالثة، ولن تصمت القوى الدولية على التفكير، مجرد التفكير، في غلق قناة السويس.
كل ما في الأمر أن إيران قد وضعت أسطولا قريبا من اليمن كي تتمكن من إمداد الحوثيين بالسلاح، ولو إن الولايات المتحدة أو إسرائيل أرادا ضرب الأسطول لفعلا أو فعلت إحداهما، لكن هذا فيه خطر أن تحظى إيران بتعاطف شعبي عربي، كما إنها قد تستغل الموقف وتعلن الحرب على الطاغوت والاستعمار والشيطان الأكبر، فلا بأس من جر المصريين من أذانهم لـ”هش” الأسطول الإيراني ومنع الإمداد لجماعة الحوثي.
طيب، كويس.. ما مصلحتنا نحن؟
من فضل الله أن الأسطول الإيراني لم يشتبك معنا، ماذا لو كان اشتبك وقتل منا؟
ويظل السؤال يلح: لماذا ذهبنا إلى حرب اليمن؟ إحنا مالنا؟
حرب أهلية في اليمن، تدعمها إيران بتمويلها للحوثي، والسعودية بتمويلها للقاعدة.. للسعودية حق في أن تشعر بالقلق بسبب اشتراكها مع اليمن في الحدود، كما إن الدولتين المتصارعتين لهما طبيعة طائفية.. السعودية تأسست على أسس طائفية، ونظام الحكم في إيران طائفي، بينهما منافسة، وبينهما مصالح مشتركة أيضا، كل منهما تهدد الأخرى، ثم إن كل منهما تمثل قوى عالمية، فإيران تمثل الصين وروسيا، والسعودية تمثل الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.. إحنا مالنا برضه؟
“أصل باب المند….”
إخرسسسس
“آلو.. يا أحمد بيه.. موضوع باب المندب ده مش واكل مع الناس.. ماشي يا باشا”
أصل أنتوا مش عارفين خطر التمدد الشيعي والنفوذ الفارسي.. إحنا رايحين نحارب الفرس.
فرس؟ ومتحالفين مع الروم؟ والتتار جايين؟ أنت فييييييييييين يا جهاااااااااااااااااد.
تمدد شيعي؟ هنا؟ في مصر؟ أي إن الفاطميين حكموا مصر ما يزيد عن قرنين من الزمان ولم يفلحوا في نشر المذهب الشيعي في مصر، وسيفلح الإيرانيون فيما فشل فيه الفاطميون؟!
سيتركون مشروعهم النووي، ومحادثاتهم مع أمريكا، وصراعاتهم الإقليمية، ويأتون لنشر المذهب الشيعي هنا في مصر؟ طيب.. ماشي.. وما دخل هذا بمشاركتنا في حرب اليمن يا زواوي؟ هل كل من يحاول أن ينشر مذهبه في مصر نذهب لنحاربه؟ إممممم.. لماذا إذن لم نحارب السعودية التي قضت عقودا وأنفقت أموالا طائلا، ودفعت الرشاوى، لنشر مذهبها الوهابي حتى أخرجت لنا هذا النتوء والتشوه الخلقي الاجتماعي المسمى بالسلفيين والذين لا يأبهون لشيء سوى للزواج من القاصرات وهدم الكنائس؟ وكيف ستحاول إيران نشر المذهب الشيعي في مصر؟ حيقولوا لنا إيه يعني؟ “حبوا أهل البيت؟” إحنا يتقال لنا حبوا أهل البيت؟ أمال مين اللي بيحبهم لو إحنا مش حنحبهم؟ طب ده مسيحيين مصر بينهم وبين سيدنا الحسين والسيدة نفيسة عمار، مش موجود بين أهل البيت والسعودية كلها.
ولماذا يأتي التمدد الشيعي عن طريق اليمن ولا يأتي عن طريق بشار الأسد المدعوم من إيران أيضا؟ هاه؟ هاه؟ هاه؟ ومرة أخرى، ما علاقة هذا بمشاركتنا في حرب اليمن؟
لدول الخليج حق في هذا الخوف والهلع والرعب المتملكين منهم، فدول الخليج لديها أقليات شيعية مضطهدة، قد تحاول إيران استقطابها لنشر نفوذها، والقاعدة العامة المعروفة هي أن الأقليات المضطهدة يسهل
تجنيدها من قبل قوى خارجية.. إحنا مالنا برضه؟
إن كنا نعاني من أمراض اجتماعية طائفية، فالدولة المصرية لا تتأسس على أسس طائفية، فلا الدستور، ولا القانون ينتحون منحى طائفي كي نزج بأنفسنا في معركة لا تشبهنا، وأمراضنا الاجتماعية الطائفية لا تحل بالدخول في حروب طائفية، ولكنها تحل بحوار مجتمعي وتوعية وتعليم.
نحن لدينا أقلية مسيحية مضطهدة اضطهادا شعبيا، والأقلية المسيحية المصرية هي الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فتقريبا هي الأقلية الوحيدة في العالم التي تتعامل مع وطنها بمبدأ: أحبه مهما أشوف منه ومهما الناس قالت عنه. ولا يهز انتماؤهم هدم كنائس، ولا سباب وتكفير في الميكروفونات، ولا حتى مذبحة ماسبيرو.. الحمد لله، ستر ربنا معنا.. انبروا علينا بقى.. حصوة في عين اللي ما يصلي ع النبي.. مصر لها طبيعة جغرافية (بصوا ع الخريطة… هاه؟) تجعل من مواطنيها أسرى لها، لديهم حالة من الانكفاء الوطني، يتعاملون مع وطنهم بوصفه بيت وهم أعضاء أسرة فيه، لا بوصفه بلد وهم مواطنون فيه، ومن ثم، فكل من يعاني من مشاكل داخل هذه الأسرة، بما فيهم المسيحيون، يتعامل مع الأمر بالصبر: البيت بيمر بأزمة.. أستحمل.. حاخرب بيتي؟
الحمد لله.. الحمد لله. فضل من الله، فلماذا ندخل معارك لغيرنا؟ ومعارك طائفية؟
وبالمناسبة، فهذا الذي يعاني منه المسيحيون في مصر، سبب رئيسي فيه هو “التمدد الوهابي السعودي” ومساجد السلفية التي تنعق كل جمعة بالدعاء على النصارى. ومع ذلك، فلا يجدر بنا أن نشن حربا، أو نشارك في حرب لسبب كهذا.
تؤ.. فاكس موضوع التمدد الشيعي ده.
ابحثوا عن حجة أخرى.
“ما هي إيران لو ضربت الخليج الاستثمارات بتاعتهم عندنا حتنهار”
آآآآآآآآآآه.. جئنا لبيت القصيد.
حلو قوي. تمام.
بالطبع، دول الخليج لن تسقط بضربة من إيران، ويبدو إن إيران عازفة عن ضرب الخليج لإنها لا تريد الدخول في حرب كالتي دخلتها مع العراق، والأمر حتى الآن لا يتعدى مناوشات متبادلة من خلف ستار المجموعات المسلحة، إيران تدعم الحوثي، والخليج يدعم جبهة النصرة والقاعدة، وبالطبع فإن استثمارات الخليج في مصر لن تنهار، ولنكن صادقين مع أنفسنا، بالبلدي: إحنا رايحين نتحي اللي نقطونا، أو كما قال لي أحد الشباب بصدق: ما هو مش معقولة يدفعوا الفلوس دي كلها ونطنشهم لما يخشوا حرب.
لا مش معقول.. عيب حتى.
وأظن أن ما قمنا به يكفي ويزيد: أرسلنا الأسطول المصري ليقوم بما لا ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل في القيام به.. أطلقنا الأوبريت رخيص الصنع اسمه “أنا اليمن”.. أرسلنا توفيق عكاشة وحياة الدرديري لاستقبالهم، لمعنا فجر السعيد وجعلنا منها شخصا مرموقا، ساندناهم استخباراتيا ولوجيستيا. فل الفل كده، لا يجدر بنا أن نوغل بأكثر من هذا، ولا أحد يرسل فلذات أكباده للموت في سبيل المجاملة والتحية في الفرح.
وأحب أن أنوه هنا إلى إنني فوجئت بوجود ما يسمى بـ”الجيوش العربية”! لدينا جيوش عربية؟ ويمكن لها أن تتوحد؟ لماذا لم نحرر فلسطين إذن؟
نحن لدينا أخطار حقيقية تواجهنا كبلد، وليس من بينها جماعة الحوثي في اليمن ولا النفوذ الإيراني، هذا خطر يهدد دول الخليج، ونحن مستعدين لمجاملتهم، لكن لدينا مشكلة حقيقية في السيطرة على شبه جزيرة سيناء هي أولى بنا، ولدينا عدو تاريخي على حدودنا اسمه إسرائيل.
ثم إننا لا نعلم سر تشجيع الولايات المتحدة لدول الخليج على خوض هذه الحرب وهي تستعد للمفاوضات مع إيران! قد يكون هدفها استخدام العرب كورقة ضغط أثناء التفاوض مع إيران، قد يكون الأمر إنها تدبر كمينا لدول الخليج كالذي دبرته لصدام حين أعطته الضوء الأخضر لضرب الكويت…. إحنا مالنا؟ إحنااااااااااا مالناااااااااا؟ ندخل بصدرنا في حاجة مش فاهمين أبعادها لييييييه؟
هذه الأقوال المترددة دوما عن احتمالية إرسال مصر لقوات برية تعني أننا نرسل بأبنائنا إلى الموت المحقق، وهم يموتون هنا بالفعل، لكنهم يموتون على أرض سيناء وهم يدافعون عن وطنهم وسيادة بلادهم على قطعة غالية من أرض مصر طالما شربت من دماء المصريين. فما الداعي لإرسالهم للموت في أرض غريبة لأسباب هم أنفسهم يجهلونها؟
هنا تظهر مزايدة غريبة وممجوجة: يا سلااااام.. يعني خايفين على الجيش قوي؟ مش انتوا بتوع يسقط حكم العسكر؟!
بهذه المناسبة، أحب أن أذكر أن حتى “بتوع يسقط حكم العسكر” أغلب الذكور منهم له تجنيد طالما إن له أخ ذكر ولا يعاني من التصاق في الفخذين، بقول آخر، الحكم العسكري ليس له أدنى علاقة بمؤسسة الجيش، خاصة لو أن هذه المؤسسة تقوم في أغلبها على المجندين من أبناء الشعب المصري، أي أن كل من له أخ ذكر، ولا يعاني مما يجعله غير لائق صحيا، وحلت فترة تجنيده، مهدد بالموت، سواء كان ثوريا، أو إخوانيا، أو فلوليا، أو سيساويا، أو ينشغل عن كل هذه الانقسامات السياسية بـ”شقط” الفتيات من الفيس بوك. ونعم نحن نخاف على الجيش لأنه مؤسسة مملوكة للشعب الذي يدفع فيه الضرائب، والأهم من الضرائب، فهو يدفع بحبات عيون الأمهات إليه ليقضوا تجنيدهم فيه، وحبات عيون الأمهات لا يجلسون في سدة الحكم، ولا يتمتعون بامتيازات القيادات الكبيرة، لكنهم يشكلون الجسم الرئيسي من الجيش المصري، ويموتون.
يموتون بعد أن تحمل فيهم أمهاتهم تسعة أشهر، ويسهرن عليهم وقد ارتفعت حرارتهم، ويركضن بهم على المستشفى، ويباشرن إطعاهم، وملبسهم، وتنخلع قلوبهن قلقا عليهم، ولو أن أحدهم – لا قدر الله – قضى في سيناء، لانتهت حياة الأم التي قضت عمرها ليس لديها شغل غيره، لكننا نصبرها ونقول: افرحي يا أم الشهيد.. ابنك مات وهو بيدافع عن أرضه، ومن مات دون أرضه فهو شهيد.
أما، لو إنه – لا قدر الله – قضى في اليمن، فكيف سنصبر أمه؟ افرحي.. ابنك مات وهو بيجيب رز ؟؟