GuidePedia


هذا السؤال الماثل أمام القارئ ليس سؤالي وحدي، وإنما هو سؤال كل اليمنيين ولا أستثني منهم أحداً. أعرف أن هناك خلافات، وخلافات حادة بين المكونات السياسية الوطنية، وأنها تصل إلى درجة العداء السافر لبعضها، لكنها تحت وابل القصف الذي استمر وطال كل شيء في هذا الوطن لابد أن تسارع إلى نسيان خلافاتها وتتركها جانباً، لتتوحد حول قضية واحدة هي رفض العدوان الخارجي واستهجان الاحتراب الداخلي. وهو ما عبّر عنه  أبناء الوطن كله من عدن إلى المكلا، ومن صعدة إلى تعز، ومن الحديدة إلى مأرب، حيث الشعور الوطني الرافض للعدوان ولكل مبرراته وادعاءاته ، والرافض في الوقت ذاته لما تطرحه دوائر الاستخبارات الأجنبية عن قرب وقوع حرب أهلية ستكون إذا حدثت –لا سمح الله- تحقيقاً لهدف العدوان السافر الذي صوّرت له أوهامه حتمية وقوعها .
إن الحروب كارثة في وقوعها، وكارثة في مقاصدها، وكارثة في نتائجها، وليس فيها منتصر ولا مهزوم، وتحدثنا وقائع التاريخ أن الحرب تأكل مثيريها وتنخر في أساس التكوين الوطني المهزوز غير الثابت، وتظل أشباحها  تحفر في واقع الناس حالة من الخلل غير المنظور ومنذ اللحظة الأولى لاشتعالها، ويستمر الخلل في التمدد والاتساع إلى أن يصبح كارثة بكل ما للكلمة من دلالات ومعانٍ مخيفة. وأسوأ ما في هذه الحرب الكارثية التي تداهمنا في هذا البلد الطيب العزيز أنها جاءت من الوسط العربي، من قلب الأمة الناطقة بالضاد، وليس من خارجها، وأنها جاءت تعبيراً عن نزوة أو حماقة لا مبرر لها ولا مسوّغ قانوني أو أخلاقي أو قومي، وسيكتشف دعاتها والمحرضون عليها أنها جاءت خارج السياق التاريخي وخارج كل سياق يمكن الاعتماد عليه من قريب أو بعيد. وما كان أكثر الوسائل والممكنات الكفيلة بسد الذرائع التي أدّعى المعتدون أنها كانت وراء عدوانهم .
وأعترف أنني وكثير من زملائي وأصدقائي قد ذهبت بنا التصورات والتكهنات مذاهب شتى منذ اشتداد الأزمة السياسية الخانقة إلاّ أن أحداً منّا لم يجمح به الخيال ولا ذهبت به السوداوية إلى حد الوقوع في تصور الحرب أو التكهن بحالات كابوسية كالتي تعيشها بلادنا الآن وما يعانيه أبناؤها من ترويع يومي على مدار الساعة. وهو ما لم يحدث لقطر عربي والفاجع أن يحدث ذلك من أشقائه وجيرانه وأكثرهم معرفة بظروفه وأحوال أبنائه. ومن الواضح أن الأمة العربية كانت ولا تزال تعيش حالة انكسار غير مسبوق منذ الغزو الأمريكي للعراق ومشاركة بعض الدول العربية في ذلك الغزو الشنيع تحت ذريعة وضع حد لحماقة القيادة العراقية واحتلالها للكويت. وقد كانت هناك وسائل عربية وغير عربية لإخراج القوات العراقية من الكويت من دون الحاجة إلى ذلك الحشد العالمي المهول والذي كان البداية في التسبب في الضعف العربي وفي حالة الندم التي يعاني منها المشاركون فيه حتى اليوم وبعد أن بينت معالم الاستهداف ومخطط القضاء على الجيش العراقي العظيم كمقدمة لتدمير كيان الدولة الوطنية في العراق.
لماذا يكرر العرب أخطاءهم وخطاياهم بحذافيرها ولا يستفيدون من تجاربهم القديمة والحديثة ولا من تجارب الآخرين؟ وماذا لو أن الدول العربية المشاركة في العدوان على بلادنا اختارت موقفاً آخر، وقامت ومعها كل الدول العربية غير المشاركة في الحرب بالضغط على المكونات السياسية اليمنية في اختيار النهج الأسلم لتجاوز الأزمة بمشاركة جادة من كل القوى الفاعلة وذات الوجود الحقيقي في الساحة. وكان في مقدور الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن القيام بمثل هذا الدور الذي كان من شأنه أن يحقن الدماء ويحافظ على البنى التحتية وعلى ماهو أهم وهو الجيش الوطني الذي تربى وتدرب على أن يكون قوة ضاربة في خدمة الإسلام والعروبة، ولم يفكر جندي واحد من جنوده أنه سيدخل في يوم من الأيام في حرب مع أشقائه. ويبقى بعد كل هذا وذاك القول بأن أضعف الإيمان إدانة العدوان.


تأملات شعرية:
أنا منذ الفجر
تحت القصف
أبكي وأصلِّي
وإذا ما شعشع الضوء
سألت الضوء عنها
عن بقايا وطني
عن حريقٍ يأكل الأكواخ
والأسواق
والأحجار والأخشاب
في صولتهِ
وبلحم البشر الجوعى
يُحلِّي.

Facebook Comments APPID

 
Top