فوزي سليم بيترو
...
بَحثْتُ عن مرآةٍ
وقفتُ أمامَها فلم أجِدْني
يبدو أن وقتي لم يدفعْ الثمن كي يراني
ها هي ذا صورتي داخلَها
تنامُ على سريرٍ أراها
بلَّلها عرقُ السنين والطِيب
تقضمُ أطرافَها دواليبُ الحظ
لأنني قصيرُ القامةِ
أزاحمُ أعشابَ حديقتي على الوقوف
ولأن لونَ بَشْرَتي برونزي
يفوز بي من ليس له طموحَ الذهب
ولأنني بالعما رضيتُ
تتسابقُ اليراعات لحملي
ولأني ولدتُ من قلب شرنقةٍ
صلبوني فوق أشواك ديدان القز
رأيتُ فيما يرى النائمون
حملانا برتقالية الثياب
يُسَلّطُ عليها الذئاب
تأكلُ من لحومِهم شواءً
وبدمائِهم يعجنونَ فطائرَ عيد المساخر
رأيت الحدّائين
كيف أغاروا على رغيفي
اقتسموا تضاريسه
في عتمة الليل وفي وضح النهار
ترشدهم بوصَلَة يشدو بها زمّارٌ أعمى
ها هو ذا كبيرهم
يظهر راكبا ناقتَهُ
يتْبَعْهُ عَمود من نار
رأيت في البعيد .. البعيد البعيد
في عمقِ مرآتي المعتمة
قوس المطر يُلَمْلِم زهوه ثم يرحل
أرواحا استباها الطاعون
بحرا تلوثت صفحته بالنجيع
وخيولا قِبْلَتها طواحين هواء
يمتطي صهوتَها فرسانٌ دون كيشوتيّة
ينتظرون إشارة
تجيء من معاولِ حفّاري القبور
ورأيتُ تاجا .. منه يصنع الحداد
مساميرا لدقِّ أخشاب الصليب
كيف أن الفضةَ قد صُهِرَت
لتصير طبقا ترقص لأجلِهِ غانية أوراشليم
وسكينا لحز رأس المعمدان
لِفّوني بالحرير أبيتُ مع السلاحفِ
لا رغبة بي للعيش بعد أن توضّأ ربيعي بالدموع
عبِّؤوني في زجاجة خمرٍ
والقوا بي في مياه البحر
لا فرق بين التيه والسكر
اسألوا الدنان
في قبوه ينام السكارى بلا رؤوس
لحمي مرٌ
وخلف ضلوعي يتعاظم النبض
ينهض من رقدة كسوف الشمس
يعلّق في عينيه أغنيةً
يشدو بها حزينا على آخر الأموات .. أو أول الموت
علِّموني الرقص على أنغام الدانوب الأزرق
قبل أن يميتوني بلا سبب
فلتصدح طيور الأيك
لو مرّةً بين أسراب البلابل
قبل أن تباغتها لغة الصمت
ويفضحُ سرّها حبلٌ سِرّي
يهرب مترنّحا من خاصرة اليباب
ما أشبه اليوم بالبارحة
حطَّمَتني وعود المن والسلوى
زرعتْ في بدني الوصب
لماذا زرتنا يا غريب ؟
لماذا تسير عكس اتجاه عقارب الوقت ؟
كأسي فارغة
املأها يا نادل
كي لا تصير مثل أعين الأسماك
بلا رموش .