GuidePedia





عبير العلي

باختفاء المرأة من السعودية لن يسود الهدوء الذي ينشده الرجل فقط، بل حتى طموحها المبالغ فيه بعد أن أصبح لها وجود في مجلس الشورى بأن تكون يوما ما سفيرة أو وزيرة سيتلاشى، ويضمن الحفاظ على الخصوصية

 كان العالم قبل يومين يحتفي باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من آذار/ مارس كل عام، ويحتفل فيه بالمرأة وإنجازاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي بعض الدول تمنح المرأة إجازة رسمية في هذا اليوم إلا لدينا، فإن هذا اليوم مثار جدل واختلاف حول شرعيته وجدواه، كأي يوم عالمي آخر، ولكن هنا بنسبة أكبر لأن المعني به "المرأة".
 والمرأة كما هو معلوم ومشاهد هي الهم الأكبر والعبء الذي يرهق الكثير من المفكرين ورجال الدين وطلبة العلم والكتاب والمثقفين، مرورا بكل رجل تضمه هذه الحدود الشاسعة مهما كان مستواه التعليمي ونتاجه الفكري، فهو بمجرد التقاط قضية تتعلق المرأة سيكون بلا شك "مُنظّرا" كبيرا وصاحب حق ليشبع قضاياها حديثا وآراء وكتابة وقرارات وصراعا وركلا. بينما صاحبة الشأن والمعنية بكل هذا تجلس صامتة خلف أسوار حذرها وقلقها التي أحاطت نفسها بها بمؤازرة من شريكها المفترض الرجل. ولأن مصلحة هذا الوطن تعنيني كثيرا، ولأن صراعاته لا تكاد تخبو أوارها إلا وتشتعل مجددا بسبب "المرأة"، فإنني أقترح أن توضع خطة من جهات مختلفة تقوم بتصفية شاملة وسريعة لهذا المخلوق الذي يُزعج سكون الكثير، إما بإخراج المرأة من الحدود بالمجمل أو المساهمة بجدية في موت بطيء لها، تعيشه الكثيرات بالفعل، حتى نصبح وطنا ذكوريا يخلو تماما من المرأة.
قد لا تروق الفكرة لبعض الرجال "البراجماتيين" الذين تُشكل لهم المرأة ضرورة جسدية وخدمية لا يستطيع الخلاص منها، ولكن هذا الأمر قد نجد له حلولا بديلة إذا غلبنا المصلحة العامة لبقية إخوته الذكور. أما رأي المرأة فهو بالضرورة غير مهم ولا يُعتد به خاصة وأنها محور "البلاء" كله، والسبب في التفكير واقتراح هذه الخطوة الجريئة نحو استقرار المجتمع الذكوري الغالي علينا. وحتى يقتنع بعض المعارضين سأفكر معكم بصوت مسموع عن بعض النتائج الإيجابية المحتملة بنسبة كبيرة جداً لو حدث فعلا وأصبحت بلادنا خالية من النساء.
فمن ناحية: سيخلو لكم وجه اقتصادكم، بمعنى لن نجد المرأة تزاحم الرجل على بعض الوظائف، كما فعلت في المهن الصحية وبعض الأعمال أخيرًا ككاشير وبائعة مستلزمات نسائية خاصة، التي ستزول مع زوالها، وبهذا ستتلاشى النسب التي تُظهرها الدراسات عن الحجم المريع للبطالة النسائية لدينا وتعد الأعلى عالميا، وعن الرواتب المنخفضة للنساء في السعودية، بل إن المصروفات التي تذهب للنساء الأرامل والمطلقات والتي لا يوجد لهن عائل كضمان اجتماعي ستصب في مصلحة الرجل باتجاه آخر. يقود هذا أيضا لإغلاق الكثير من المجمعات التجارية والأسواق التي تعد المرأة الرائد الأول لها، وستتجه صناعة الاقتصاد الوطني لمصادر أخرى أكثر نفعا من ذاك الذي يخدم المرأة واحتياجاتها. وفي هذا الجانب توجد مصالح اجتماعية كبرى وعظيمة لا يدرك فائدتها إلا الضاربين علما ومعرفة في مشاكل النساء ومكائدهن. فالتنقل من وإلى مكان العمل أو العلاج والترفيه أو قضاء الاحتياجات هو قضية شائكة أرهقت الرجل كثيرا وهو ينظر حولها وينافح لأجل أن تبقى المرأة رهينة رضاه ومزاجه لتلبية طلبها أو حتى توفير وسيلة تنقل آمن لها، إذا لم يتركها من الأساس تتدبر شأنها بنفسها وتبحث عمن يقلها مقابل مَبالغ مُبالغ فيها، أو ضغوط نفسية واجتماعية تؤذيها. وهو بهذا القرار يغلق ذلك الملف الذي أضحك العالم عليه، ملف قيادة المرأة للسيارة، يغلقه نهائيا على الرغم من أنه كان ميزة فريدة من نوعها لا توجد في دولة أخرى غيرنا. ويغلق معه قضية عمل المرأة في كل المجالات وبالتالي تعليمها، قد ينقطع عن الرجل العزيز بغياب المرأة من حياته دخل مادي تعود على وجوده كل شهر في حسابه أو يغطي بعض التزاماته، ولكن هذا لا يهم وسيعتاده سريعا لأن ملامح الاقتصاد ستتغير ومصروفاته ستقل.
 بانتهاء الخوض في هذين الملفين على سبيل المثال ستحل كثير من المشاكل نفسها بنفسها سريعا، فلن يحتاج بعض الدعاة وطلبة العلم للظهور الذي أخرجهم عن وقارهم للحديث عن مشاكل المرأة وبعض شأنها الخاص الذي يفردون له مجلدات ودراسات وبرامج وقنوات فضائية، ولن يصبح لوجهها وملامحه المذعورة من ارتيابهم فيه مصدر قلق من انكشافه أو جدل حوله وانشقاق في صفوفهم واختلاف في وجهات نظرهم. بل إن القضايا الشائكة والمعلق بعضها لسنوات في المحاكم من قضايا طلاق ونفقة وحضانة أطفال ستنتهي ولن يحتاج الرجل للمماطلة أو النفقة أو التعهد بالتوقف عن إيذائها بالضرب أو الحرمان من أبنائها ومالها، وتصبح المحاكم ساحات حقيقية للعدل والمساواة. وستكون قضية "سخيفة" كممارسة الرياضة في المدارس هي الأخرى نقطة لن يحتاج أن يتوقف عندها المسؤولون للتبرير وإرضاء الجمهور، ولا بابا لسخرية الغرب من حرص الرجل السعودي الغيور وخوفه على عفاف المرأة وعذريتها.
 باختفاء المرأة يا سادة لن يسود الهدوء الذي ينشده الرجل فقط، بل حتى طموحها المبالغ فيه بعد أن أصبح لها وجود في مجلس الشورى بأن تكون يوما ما سفيرة أو وزيرة سيتلاشى ويضمن الحفاظ على الخصوصية بل يجعلها أكثر تركيزا وواقعية، ويرفع عنه الحرج الذي يلقاه من مؤسسات المجتمع المدني المتحضر في الدول الأخرى وهي تضغط بالتساؤل والدعوة لمنح المرأة السعودية واقعا أفضل مما هي عليه الآن. قد تتلاشى بزوالها بعض الأجهزة كهيئة الأمر بالمعروف ويخسرون وظائفهم والإثارة البطولية في مهمات عملهم، ولكن بالمقابل سيزول سبب الفتنة وأيقونة "العورة" وباب الشقاق بين الرجال، وسترتاح بعض النساء أيضا من بعضهن، وهن السبب في كثير من تأخرهن وإقصائهن!
تحية عظيمة للمرأة السعودية المناضلة الحقيقية في هذا العالم، ولكل "رجل" يؤمن بأنها ندّ له وشريك لا مخلوق مسخّر له.

Facebook Comments APPID

 
Top