السعودية
لا تريد تدخل الآخرين في شؤونها الداخلية وهذا من حقها.. ولكن من حق
الآخرين ان يطالبوها بعدم التدخل في شؤونهم ايضا.. ومنع وزيرة الخارجية
السويدية من الحديث امام الجامعة العربية سابقة مهينة لدولة اعترفت بدولة
فلسطين وتحدت اسرائيل
عبد الباري عطوان
يملك المسؤولون السعوديون حساسية خاصة، ومبالغ فيها، تجاه اي
شخص يتناول بعض جوانب سياساتهم العربية او الداخلية بالنقد حتى لو كان هذا
النقد منصفا، ومهذبا، خاصة اذا جاء من غير السعوديين، اما اذا جاء من
السعوديين فحدث ولا حرج، فهناك العديد من القوانين التي جرى اصدارها على
عجل لفتح ابواب السجون امام هؤلاء لعقوبات سجن تصل الى سنوات عدة، ناهيك عن
الجلد والغرامة المالية العالية في الوقت نفسه.
***
نقول هذا الكلام بالاشارة الى واقعتين رئيسيتين عكستا هذه الحساسية السعودية المفرطة:
الاولى: الموقف المخجل لجامعة الدول العربية وامينها العام السيد نبيل
العربي والمتمثل في عدم السماح للسيدة مارغريت فالستروم وزيرة الخارجية
السويدية لالقاء كلمتها في جلسة افتتاح اجتماع وزراء خارجية الدول العربية
الذي بدأ اليوم (الاثنين) في مقر الجامعة في القاهرة نتيجة تدخل رسمي سعودي
لانها انتقدت سجل انتهاكات حقوق الانسان في الدول العربية من ضمنها
السعودية، وحقوق المرأة فيها خاصة.
الثانية: اصدار السيد عادل الطريفي وزير الاعلام السعودي بيانا عقب
ختام جلسة لمجلس الوزراء ترأسها العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد
العزيز اكد فيه “ان بلاده لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية، وترفض
التطاول على حقها السيادي، بما في ذلك المساس باستقلال قضائها ونزاهته”،
جاء هذا البيان بعد اعراب السعودية عن “استهجانها” لما يثار في بعض وسائل
الاعلام حول قضية المدون السعودي رائف بدوي الذي ادين بالاساءة الى الاسلام
واقامة موقع ليبرالي والسجن عشر سنوات والف جلده وغرامة مقدارها مليون
ريال (266 الف دولار).
لا نجادل مطلقا في حق السعودية في رفض اي تدخل في شؤونها
الداخلية، لكن شريطة ان تقدم القدوة الحسنة، وتطبق هذه الفرضية على نفسها،
وان تمتنع منعا باتا عن التدخل في شؤون الآخرين بدورها، فانتقاد حكم صدر في
حق مدون سعودي شاب شيء، ودعم ميليشيات عسكرية بالمال والسلاح والاعلام شيء
آخر مختلف تماما، ونحن نتحدث هنا، ودون اي مواربة، عن التدخل السعودي في
عدة دول مثل اليمن وسورية والعراق، ولا نناقش هنا اخلاقية هذا التدخل من
عدمها، وانما نناقش مبدأ التدخل في شؤون الغير فقط.
الشاب رائف بدوي لم يدخل السجن لانه اساء الى الاسلام فقط
وانما لانه اسس الشبكة الليبرالية الحرة التي طالبت برفع سقف الحريات
التعبيرية في الممكلة واحترام حقوق الانسان، والرجل قبل المرأة، فاذا اساء
الى الاسلام فانه يمكن ان يستتاب اذا اعترف بخطيئته، وقرر التوبة، فديننا
دين الرحمة، ولكن معظم حكوماتنا العربية ليست كذلك في مواجهة معارضيها،
وليس هناك اي داع للاطالة.
نختلف مع السيد الطريفي وزير الاعلام السعودي في بيانه الذي
قال فيه ان القضاء السعودي مستقل ونزيه، وهو يعلم جيدا ما نقصد، وما نملكه،
وغيرنا، من ادلة وبراهين تقول عكس ذلك، ولكننا لا نريد “شخصنة” هذه
المسألة، ويكفي الاشارة الى ان تراجع السلطات السعودية عن المضي قدما في
تنفيذ حكم الجلد الصادر في حق السيد بدوي بعد الضجة التي ثارت بعد تنفيذ
الخمسين جلدة الاولى هو دليل اضافي على عدم اقتناعها بهذا الحكم، او بعض
جوانبه على وجه الخصوص.
***
الوزيرة السويدية التي ارادت الحديث امام وزراء الخارجية
العرب لم تقتحم المكان عنوة، ولم تدعو نفسها، وانما تلقت دعوة رسمية من
امين عام الجامعة العربية شخصيا، وهي الجامعة التي اقدمت على هذه الخطوة
قصيرة النظر عقابا لها وحكومتها لانها تجرأت على تحدي اسرائيل وامريكا
واعترفت بدولة فلسطين، وماذا يضير المملكة العربية السعودية ووزراء
الخارجية العرب الآخرين اذا ما تحدثت هذه الوزيرة لعشر دقائق عن حقوق
الانسان المتدهورة في معظم انحاء الوطن العربي، وما الجديد الذي يمكن ان
تضيفه، او السر التي ستكشفه في هذا المضمار، ويثير الاستياء.
نحن لا نعتب على السعودية وضغوطها التي منعت الوزيرة اعتلاء
منبر الجامعة والحديث الى وزرائها، وانما على الامين العام للجامعة الذي
قبل على نفسه هذه الاهانة، ولو كان في مؤسسة ديمقراطية اقليمية او دولية
تحترم قيم العدالة والكرامة وحقوق الانسان لتمسك بدعوته لوزيرة الخارجية
السويدية، واذا لم يستطع احترام كلمته لاسباب خارجة عن ارادته، لقدم
استقالته، ولكنه لم يفعل وهذا ما يفسر عزوف الشعوب العربية عن هذه المؤسسة
وحتقارها لامنائها العامين.
كنا، وما زلنا، نتوقع من العاهل السعودي الجديد ان يغلق
الباب امام كل هذه الانتقادات الغربية لسجل بلاده في حقوق الانسان بتحسين
هذا السجل، وتأكيد نزاهة القضاء واستقلاليته فعلا، واول خطوة في هذا الاطار
اصدار عفو عن المدون رائد بدوي، وآخرين يقبعون في السجون دون اي محاكمات،
او بمحاكمات صورية ومسيسة.