تستدرج التطورات المتسارعة في اليمن المتابع للتساؤل: من الذي يحرك الاحداث في هذا البلد؟ ومن يدفع تحديدا الى خلط الاوراق ويعمل على بعثرة المواقف بهدف الابقاء على اوضاعه عالقة بين التصعيد وعدم الاستقرار؟ وهل هناك فخ نصب في اليمن؟ وتاليا من نصبه ومن وقع فيه ومن يستفيد منه؟ وهذا هو الاهم.. المؤكد ان اليمن يعيش اليوم انسدادا سياسيا وانقساما داخليا وانكشافا امنيا وانه بات تتنازعه سلطتان واحدة في عدن وأخرى في صنعاء وان الدولة اليمنية بمؤسساتها المتهالكة اصبحت على فوهة بركان مدمر مع بلوغ الصراع مستويات عليا من التأجيج وخروجه من نطاقي السياسة والتكالب على السلطة والنفوذ والمصالح الى نطاقات الانقسام الجهوي والجغرافي والمذهبي ومفاعيل العنف لتنظيم القاعدة الذي وسع نطاق انشطته في المناطق الجنوبيه بموازاة حالة الاحتقان والفراغ الناتج عن توترات العلاقة بين الاطراف المتصارعة التي انشغل كل منها في التخطيط لهزيمة الاخر وإسقاطه ايا كانت الخسائر. الاسبوع الماضي كتبت في هذه الصحيفة مقالا عن تشابك الملفات في اليمن وقلت ان ما يحدث في اليمن ليس صراعا طائفيا او مذهبيا واضحا وليس انقساما ايديولوجيا زيدية ضد شافعية ولا انفصاليون ضد وحدويين او ديمقراطيون ضد شموليين او شماليون ضد جنوبيين حتى وان ظهر هناك من يحاول (تديين) هذا الصراع او الباسه لباسا مذهبيا او جهويا بل ان هذا الصراع هو في حقيقة الامر ناتج عن نزاعات التنافس على السلطة الى جانب مجموعة من التعقيدات المحلية والتي وجدت من يستثمرها لصالح اطراف اقليمية ودولية متعددة تتسابق على مواقع النفوذ في المنطقة ومنها اليمن وهو ما اسهم في تعميق حالة الانقسام والتشرذم اليمنية بشكل يتجاوز ما عرف من صراعات على السلطة او صراعات قبلية او جهوية الى درجة بدا فيها المشهد اليمني يموج بتداعيات توشي بما هو اكبر واخطر مما تشهده بعض البلدان العربية من احداث واقتتال ومعارك عبثية. ما يلفت النظر ان نرى الواقع اليمني يزداد كل يوم تصدعا في الوقت الذي نجد فيه القوى اليمنية مستمرة في حواراتها ومشاوراتها من اجل التوصل الى حلول للازمة التي تنخر في هذا الواقع مما يعني ان المفروض ان تكون هناك اجواء تهدئة لا اجواء تصعيد لكن ما نشهده الان انه وبمجرد ان هدأت المواجهات العسكرية تصاعدت تلقائيا ازمة جديدة بشأن عملية الحوار وهل يستمر في الداخل ام ان هذا الداخل صار غير مهيأ لضمان نجاح هذا الحوار؟ ولذلك فالواجب نقله الى الخارج على غرار الحوار الليبي الذي التئم مؤخرا في احدى دول الجوار والتي تعهدت برعايته ومساعدة اطرافه على تجاوز خلافاتهم وتناحراتهم والتوصل الى معالجات للمشكلة الليبية التي تظهر في بعض جوانبها اقرب الى تداعيات الازمة اليمنية. وفي هذا السياق فقد سارعت الدول الخليجية الى التجاوب مع طلب الرئيس عبدربه منصور هادي باستضافة الحوار اليمني ورعايته من قبل الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي على اعتبار ان الدول الخليجية هي من بادرت عام 2011 لاحتواء تداعيات الاحتجاجات الشعبية في ذلك العام عن طريق ما عرف بـ(المبادرة الخليجية) وهي العملية التي تجلت في نقل السلطة سلميا من الرئيس السابق علي عبدالله صالح الى نائبه الرئيس عبدربه منصور هادي لكن ما لم يكن في حسبان الرئيس هادي هو ذلك التغيير الذي حدث في توازن القوى بعد 21 سبتمبر الفائت عقب سيطرة جماعة انصار الله الحوثية على العاصمة والعديد من المحافظات الرئيسية في شمال وغرب اليمن وان هذا التغيير سيشكل في حد ذاته باعثا على الخلاف حول نقل الحوار الى الرياض حتى جاء اعتراض جماعة الحوثي على هذه الخطوة التي اعتبرت ان الهدف من ورائها هو اعادة تدوير الازمة بما يخدم خصومها الاقرب منها الى الدول الخليجية خاصة وان هذه الجماعة تصنف من كونها جماعة مدعومة من ايران وتسعى الى تعزيز مواقع النفوذ الايرانية في المنطقة وبما يسمح بمحاصرة الخليج من عدة جبهات. واضح ان اليمن اصبحت احد محاور الحرب الباردة وان ما يجري فيها جزءا من معركة اقليمية ودولية تتخطى الصراع الداخلي لتصل الى الصراع الاقليمي _ الاقليمي من جهة والروسي الاطلسي من جهة ثانية وبالتالي فان هذا النزاع بين القوى الاقليمية والدولية على الساحة اليمنية هو من النوعية التي قد تتحول الى نزاع وجودي لن يكون احد قادرا على السيطرة عليه كما حدث في سوريا والعراق وليبيا. توقفت عند هذه المستجدات وتساءلت كيف يقرأ المجتمع الدولي والقوى الكبرى تحديدا الاحداث الجارية في اليمن؟ هل من خلال الرسائل الاتية اليه من صنعاء وعدن ام من خلال الرسائل القادمة اليه من بعض العواصم الاخرى؟ وما هي ايضا شروط وحدود التغيير التي تتوافق عليها المواقف الدولية في ضوء التطورات والانقسام الحاصل في اليمن؟ حيث وان ما نشاهده في اليمن يدل على ان المجتمع الدولي صار يسند بطريقة ما الفوضى الخلاقه في هذا البلد وغيره من البلدان العربية اذ انه وفي ما كان يفترض ان اليمن انتقل الى واقع مختلف نجد ان تدخل المجتمع الدولي عبر المبعوث الاممي جمال بن عمر قد جاء بنتائج معاكسة وصادمة في ذات الوقت.. وقريبا ربما تكون المعركة قاسية وخطيرة امام اليمنيين الذين ربما ستأكلهم الحسرة وهم يرون وطنهم يعاد تشكيله امام اعينهم وان كان من الصعب الان تخيل الشكل النهائي الذي سوف يستقر عليه هذا الكيان بعد اعادة هندسة جغرافيته من تلك الاطراف التي تتصارع حوله. ما علينا سوى انتظار ساعة الصفر التي ستحسم فيها تفاصيل المخطط الاخير طالما بقي ابناء هذا البلد يجترون خلافاتهم فيما وطنهم ينزلق الى الخراب الاكبر .
جريدة الشبيبة العمانية