لم تكن خطوة السويد بوقف التعاون العسكري مع آل سعود ورقة سياسية هدفها
الدعاية الإعلامية، بقدر ما تعكس وصول الصبر السويدي إلى نهاياته، حيث لم
يكن بمقدورها أن تُبقي الحصى العالقة في مكانها أكثر من ذلك، خصوصاً بعد أن
وصلت الحماقة السعودية إلى درجة التورّم المُعدي.
ما هو مؤكد أن الكيل قد طفح بممارسات آل سعود، كما طفح من السكوت والتواطؤ
العالمي عن ممارسات نظام يُعد الأكثر ظلامية في العالم، والأكثر تخلّفاً
والأشدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان، ولم يكن بمقدور السويد – ولو بعد حين- إلا
أن تكون وفية لمبادئها.
من هنا قد لا تكون الخطوة مفاجئة بمعيارها السياسي والحقوقي، بل ربما
تأخرت كثيراً، حالها حال الكثير من مواقف دول العالم، تحديداً الغربي منه،
الذي ظل يلعب دور الشيطان الأخرس على مدى عقود طويلة، وحتى عندما خرج إلى
العلن تحت شعار الديمقراطية وأراد أن يغيّر الأنظمة والخرائط وفقاً لأطماع
مشاريعه، بقي النظام السعودي جزءاً من منظومة العمل الغربي، ومن أهم أدواته
المكلّفة وظيفياً ووجودياً بتنفيذ المشروع الغربي، وتحديداً ما يتعلق منه
باستخدام الإرهاب، حتى بات اسم النظام السعودي مرتبطاً بوجود الإرهاب على
مدى السنوات الماضية.
وفي الأحداث الإرهابية التي تعرض لها الغرب كان دور آل سعود واضحاً حتى في
التحقيقات الغربية التي تم سحبها من التداول، وبعضها لم يطرح وبقي في
الأدراج المغلقة، وبقيت العلاقة الوظيفية المُسندة للعائلة المالكة أكبر من
أي حسابات أو معادلات، بما فيها الحقائق الموثّقة بالأدلة والقرائن، وكانت
أميركا وبعض الدول الغربية تغرق أكثر في صفقات مشبوهة، أبقت على الدور
الوظيفي للنظام السعودي فوق أي مساءلة سياسية أو قانونية.
اليوم .. تأخذ المواقف السويدية أبعاداً أكثر من كونها خطوة محدودة في
المكان والزمان، باعتبارها تُميط اللثام عن كل ما هو مسكوت عنه، وتضع الغرب
أمام الحقيقة المرة متسلحة بالرأي العام الأوروبي الذي يتابع التداعيات
ويتمعن ملياً في كرة الثلج التي تتدحرج أمام ناظريه، وهو يلمس مباشرة ما
تركت وراءها من بقع داكنة، لم يكن من المسموح أن يشاهدها أحد، بما في ذلك
الوقائع الفعلية لنظام آل سعود وطريقة تعامله الأرعن مع حقوق الإنسان،
مضافاً إليها حدود نفاق مسؤولي الغرب شمالاً وجنوباً في السكوت عن تلك
الممارسات.
من هنا المقاربة السويدية لن تكون منعزلة عن سياقها، وليس بمقدور الرعونة
والغطرسة السعودية أن تبقيها حيث هي، بقدر ما تدفع بالكرة المتدحرجة
لتتسارع تاركة خلفها كل هذا الوباء الخطير المنسوج وفق المصالح والأطماع
الغربية.
في المعايير السياسية، قد لا تكون الخطوة السويدية على أهميتها كافية،
لكنها تصلح لتكون خطوة في مسافة الألف ميل، التي يخشاها الغرب ويرفض حتى
التفكير بها، وما أقدمت عليه السويد ليس أكثر من ردٍّ أقلّ من طبيعي،
خصوصاً أن لدى السويد والغرب من الأدلة ما يكفي لقراءة السلوك السعودي
المشين في كل الاتجاهات ودوره الإرهابي المرسوم غربياً.
ويبقى السؤال المحوري: هل تستطيع الخطوة السويدية أن تفتح الباب على
الملفات المغلقة غربياً، وبعضها محظور حتى على النقاش، وهل بمقدورها أن
تُحدث ثغرة – ولو كانت متواضعة – في جدار أقامته لغة الأطماع الغربية
ومصالح المشروع الصهيوني وأغلقت دونه الحديث أو الطرح؟!
قالوا.. الذي لا يصيب يحدث ضجيجاً على الأقل، والعالم لا ينقصه ضجيج، لكنه
يحتاج إليه لتصويب نقاط مزمنة وحالات استطالة في تورم الأدوار الوظيفية،
وربما حانت اللحظة للبدء بذلك ولو أزعجت المسلمات المعمول بها في العرف
الأميركي والفرنسي ويجاريهما البريطاني وإن بقي على حياء أو في الظل..!!
بقلم /علي قاسم
*صحيفة الثورة السورية