GuidePedia


هيثم الريماوي
...................
قبل أن أبدأ هنا ، أود أن أنوه – للأمانة العلمية – بأني لست مع تسمية ( قانون الجذب ) وأظنها تسمية مراوغة وربما مضللة في كثير من الأحيان ، لأنه لم يستطع أحد – حتى الآن على الأقل – أن يمثل هذه العلاقة رياضيا ضمن نموذج أو معادلة (برهان رياضي ) تصف هذه العلاقة ، وبالمعنى العلمي فإن هذا ما تحتاجه أي علاقة لترتقي إلى رتبة قانون ( التمثيل الرياضي ) ، حتى لو أن المقصود بالتسمية الطيف الواسع للمعنى الاصطلاحي للقانون ، كان يجدر الإشارة بشكل دقيق لذلك أو تغير المصطلح ، ربما فرضية الجذب ، على أية حال هو مجرد تنويه *

لقد تكاثر الجدل والكتابة حول هذا الموضوع ، في السنوات الأخيرة بشكل كبير جدا جدا ، وربما هائل ، وذلك لعدة أسباب مهمة – في رأيي - ، وهي :
أولا : لقد شجعت الكثير من الأبحاث النفسية ، علوم الأعصاب ، والفيزياء النظرية ( مكنيكا الكم خصوصا ) الكتابة في هذا الموضوع وبشكل جريء وغير مسبوق
ثانيا : إن ما تتحدث عنه تلك المساحة هي بدرجة الغرابة التي كشفت عنها مكنيكا الكم ، فهي من جهة تخترق وربما تقلب رأسا على عقب الكثير من المفاهيم التي اعتبرها الناس بحكم العادة مسلمات ، ومن جهة أخرى تدعي قدرات للإنسان كان الناس أيضا يعتبرونها بحكم العادة خوارق .
ثالثا : الكثير من آليات قانون الجذب تستند على التجارب الشخصية وليس المخبرية ، وبالتالي فإن مدى الإيمان بصحتها يعتمد على التقدير الشخصي وليس الدليل العلمي .
رابعا : إن الكتابة والخوض في آليات قانون الجذب تبدو سهلة لأنها تحتمل أي إضافات أو تغيريات شخصية ، حتى لو كانت غير مبررة ، مما شجع الكثيرين على الكتابة والتأليف في هذا الموضوع حتى ولو بدون الأسس المعرفية للكتابة
خامسا : لقد أثار قانون الجذب والخوض في آلياته حفيظة الكثير من المتدينين ، والكثير من الملحدين على حدّ سواء ، فهو يتحدث عن مساحة شديدة الحساسية والغموض ؛ الوعي ما قبل المادة وآليات تأثيره وتخليقه للمادة ، تلك المنطقة التي توقفت العلوم عند حدودها ، فاعتبر الملحدون بأن الحديث خارج تلك الحدود التي توقف عندها العلم هراءً ، ورأى الكثير من المتدينين – بحسب وجهة نظرهم – أنها تتعارض مع الخطاب الديني ، فكثر الجدل بين مدافع ومؤيد وموافق ومتحفظ ومعارض ومهاجم .
قانون الجذب

يمكن تلخيص قانون الجذب كما يلي ، وحتى إن كان في ذلك تبسيط مفرط :
" كل ما تفكر به / تتخيله ، وتتوقعه ، لفتره كافية من الزمن سيعمل على ترتيب (جذب) الظروف والأشخاص من حولك فتتكاثف وتتعادض وتتراكب لتحقق ما فكرت به / تخيلته وتوقعته لفترة كافية من الزمن "
إذن بحسب قانون الجذب أنت تسجل ذهنيا تراكيب معينة من الأفكار والصور والتصورات وتثق بحدوثها ، وبعد ذلك وببساطة يستجيب الكون ويعيد تشكل الظروف والأشخاص من أجل تحقيق سجلك الذهني ، مهما كانت محتويات هذا السجل .
وصحيح أن هذه الفكرة طفت إلى السطح وانتشرت بشكل كبير بالتمترس أساسا خلف نتائج مكنيكا الكم ، إلا أن هناك مشكلة بالغة الأهمية ظهرت معها أيضا ، وهو سؤال بسيط يبدو للوهلة الأولى بأنه منطقي ومشروع وهو :
إذا كان الحال كذلك ، لماذا إذن لا يستجيب الكون لكل الناس ويحقق جميع آمالهم وطموحاتهم فردا فردا ؟
ومن أجاب على هذه السؤال هو علم النفس خصوصا ، فبحسب آليات عمل العقل الباطن ، ليس كل ما تتخيله / تفكر به ، تتوقع حدوثه بالضرورة ، إنما الأمر عائد لبرمجيات البراديم – كما ذكر سابقا - ، فلو افترضنا أن صديقنا صاحب فوبيا المناسبات العامة في المثال السابق ، تمنى وفكر وتخيل أنه تخلص تماما من فوبيا المناسبات العامة دون إعادة برمجة البردايم الخاص به ، فإن شخصيته لن تتغير ومخاوفه وتوقعاته عن فشله في التخلص من فوبيا المناسبات العامة لن تتبدل ، وبالتالي فأن أمنياته تلك ستكون متزامنة دوما مع شعور بالفشل ، أنه في هذه الحالة لن يثق أبدا بتحقيق هدفه ، لأن مشاعره وسلوكه وتوقعاته قد تمت برمجتها في عقله الباطن وانتهى الموضوع ، وبحسب قانون الجذب فهو يعمل حياديا بلا اعتبار إطلاقا لخير أو شر أو جيد أو سيء ، وفي حالة صاحبنا المسكين سيعمل الكون على تحقيق برنامج البراديم الخاص به ، هو تعزيز فوبيا المناسبات العامة ، وسيكون السيناريو التالي محتملا :
(لأجل الصدفة ) يتلقى صاحبنا دعوة لإلقاء خطاب أمام زملائه في العمل بسبب نجاح ما حققته الشركة التي يعمل بها ، فيتشجع لذلك متوقعا أنها فرصة للتخلص من تلك الفوبيا ، دون أن يعلم بأن عقله الباطن لن يسمح له بالنجاح وبالتالي الظروف المحيطة أيضا ، ( لأجل الصدفة ) سيتأخر قليلا عن موعده فيزداد توتره أكثر ، وعند صعوده على المنصة لإلقاء كلمته سيبدأ بالتعرق ، زيادة في سرعة نبضات القلب ، جفاف الحلق ، ارتجاف متوسط ، صوت متوتر ، ليكتشف ( لأجل الصدفة ) أنه قد نسي إحدى الأوراق التي كان قد دون عليها كلمته فيزداد توتره أكثر ويبدأ شعوره بالإحباط يزداد أكثر، ( ولأجل الصدفة ) يخطر بباله أن يتناول كأسا من الماء ليخفف توتره وجفاف حلقه قليلا ، ولكن بسبب الرجفة في يديه ، ينسكب الماء ( لأجل الصدفة ) على ملابسه ، فيلتفت الجمهور لمدى ارتباكه ، ( ولأجل الصدفة ) هناك مجموعة من زملائه الحضور يبغضونه كثيرا ، فيجدون الفرصة مواتية جدا للضحك والسخرية المتعمدة .

الحقيقة هنا ، بحسب قانون الجذب ، إن كل ما حدث في هذا السيناريو المحتمل ، ليس له علاقة بأي صدفة ، إنما هو تلبية الكون لرغبة البراديم ، عبر تركيب وتجميع ظروف و أشخاص يحققون فعالية برنامج البراديم ، وذلك عبر آلية الجذب ، أي أنه وبحسب هذه الفكرة فإن قانون الجذب يعمل دائما وأبدا ، حتى يمكن القول بأنه لا وجود أبدا للصدف ، بل كل الظروف المحيطة والأشخاص والأحداث هي استجابة الكون لرغبات البراديم ، من هنا يمكن الإجابة بسهولة على السؤال السابق ، لماذا إذن لا يستجيب الكون لكل الناس ويحقق جميع آمالهم وطموحاتهم فردا فردا ؟ والجواب ببساطة أن تلك الآمال والطموحات لا تتوافق مع البراديم ، أي مع شخصية الفرد الحقيقية ومع توقعاته ، وهذا ما صاغه واين داير بعبارة بمنتهى الذكاء " أنت لا تجذب ما تتمنى ، بل ما أنت عليه " ، إذن لتجذب ما تريد عليك أن تعرف أولا ما أنت عليه ( برمجيات عقلك الباطن ) فإن كانت مطابقة أو مشابه لما تريد فأنت تجذب ما تريد ، أما أذا كانت غير متوافقة مع ما تريد ، فعليك أولا أن تعيد برمجة عقلك الباطن ، ليتوافق مع أمانيك وطموحاتك ، ومن جهة أخرى إن الظروف المحطية والأشخاص حولك وتصرفاتهم هي مؤشر مهم جدا لمدى تصالحك مع ذاتك ، أي مدى التوافق بين ما تريد ، وبين برمجيات عقلك الباطن ، فكلما كانت الظروف المحيطة سيئة أكثر والأشخاص حولك سيئون أكثر ، كلما كانت المسافة أبعد بينك ( ما تريد ) وبين عقلك الباطن ( ما أنت عليه ) ، أي أن قانون الجذب يعمل لصالح عقل الباطن وضدك ، والعكس صحيح كلما كانت الظروف المحيطة أفضل والأشخاص حولك افضل ، تكون المسافة أقصر بينك ( ما تريد ) وبينك ( ما أنت عليه ) ، ويكون قانون الجذب يعمل لصالحك أكثر ، حتى لتصل أو تكاد لأن تكون أنت أنت ، أن تكون أنت أنت ، يعني أن تكون أنت ( ما تريد ) أنت ( ما أنت عليه ) متطابقان أو أقرب ما يمكنك ذلك ، فتكون الظروف المحيطة والأشخاص حولك أفضل ما يمكنك ذلك ، لأن قانون الجذب وقتها يكون يعمل لصالحك بأفضل ما يمكنك ذلك .

Facebook Comments APPID

 
Top