وائل شرحة
منذَ نعومة أظافرهم.. يمارسون لعبة "المناورات" ـ أو هكذا أصفها أنا ـ لارتباط تفاصيلها بـ "المناورات العسكرية" التي يجريها أفراد القوات المسلحة أثناء تدريبهم وتأهيلهم بعد التحاقهم بمؤسسة الجيش.
هؤلاء هم أطفال اليمن.. يلهون ويستمتعون بألعاب لا يمكن أن يفكر فيها أطفال العالم أجمع.. يشكلون كتائب وسرايا وفرق وينطلقون كلاً منهم في جهة من الساحة التي اعتمدوها لمناوراتهم.. أسلحتهم بسيطة, تتنوع ما بين عود من الخشب أو عمود صغير من البلاستيك أو الحديد.. يطلقون من أفواههم أصوات مختلفة, تمثل الأسلحة التي يحملونها..
هكذا هي طفولتهم.. وهكذا وجدوا.. وهكذا يبدأ يتألف حب وعشق السلاح وحمله في قلوبهم وحياتهم.. غير أقرانهم في دول مجاوره لهم ممن يخشون حمل السلاح "الأبيض" أو الإقدام على ألعاب كهذه.
كنت نائماً.. وفجأة أيقضتني أصوات الأطفال.. توجهت نحو نافذة الغرفة بجسم يسكنه الخمول والإرهاق وعينان تقاتلان أشعة شمس الصباح.. شدني ما رأيته ودفعني إلى التقاط صورة لأبطاله.. صورة للبراءة.. الماضون نحو مستقبل مجهول.. المصارعون لحاضر مشئوم وقاسي وأليم ومثخن بالجراح.
كان الأطفال موزعين داخل حوش خاص بالمعدات الثقيلة.. كلاً منهم لهَ موقع.. وكل منهم يحمل شيئاً بين يديه بدلاً عن "السلاح".. ترتفع أصواتهم شبه الأصوات الناتجة عن السلاح الحقيقي فور الإطلاق منه.. الأصوات تدوي من أفراد الفريقين مع تصويب أسلحتهم نحو بعضهم..
تابعتَ تفاصيل لعبتهم من النافذة.. منهم من سقط من اللعبة (أي تم إصابته فور اكتشاف مكانه).. ومنهم من ظل متخفي حتى ارتفعت أصوات ونداء التفاوض فيما بينهم, لتوقيع هدنه واتفاقيات مقابل غرامات يدفعها طرفاً للآخر.
هؤلاء أطفالنا.. يرغبون بحمل السلاح, في وقتٍ يحمل أقرانهم في دول العالم أدوات وأجهزة الموسيقى والرسم والكتب والمجلات وكل ما يطور من أفكارهم ويقوي عقولهم وذاكراتهم.. وأن أتيح لهم الفرصة للعب, فتقتصر على العاب "البلاستيشن" وغيرها.
أنا مع تعلم أطفالنا وممارستهم للموسيقى وكل الفنون والثقافات كي يكونوا دعاة ومصادر سلام للدول المجاورة وللعالم بأكمله.. وكذا مع أن يمارسوا ويتعلموا فنون القتال والرماية وحمل السلاح, ليحصلوا على السلام والأمن والاستقرار من خارج أوطانهم.. لتكن أكتافهم.. أحدها تحمل "القيتار" وأخرى تحمل السلاح وقت تعرضهم للاعتداء.
لا أعتقد أن في العالم أطفال كهؤلاء.. ولا أعتقد أن يجرؤ أحداً ما على غزوهم أو محاربتهم.