GuidePedia



بقلم/جمال الظاهري
أن تكون مفاوضاً يعني انك تقبل أن تكون محاسباً ومراقباً هذا أولاً.
يجب أن يتذكر وفدنا الوطني أنه أمجادهم الشخصية وصورتهم الإعلامية لا تهمنا بقدر ما بهمنا نجاحهم كوفد يمثل مصالح الشعب اليمني, كما لا بهمنا إجادتهم في التصريحات وبلاغتهم في الطرح أمام الشاشات, وعليهم أيضاً أن يدركوا أن توضيح مظلومية اليمن في مهمتهم أمر ثانوي وأن لهذا الدور رجاله.
ومن الواجب في شخصية المفاوض أن يتمتع بقدر عالي من الصبر والدهاء والفطنة .. ومن الصفات الحميدة في المفاوض أن يكون لين على الطاولة ولا بأس بأن يظهر عدم الاكتراث ولعب دور الإنسان البسيط (الساذج), وإن تطلب الأمر أن تستسلم للنعاس في بعض فترات النقاش, والاكتفاء بهز الرأس فلا بأس.. بل من الحكمة إن استطعت إيهام خصمك بأنك غبي أو في موقف ضعف وأنه يمكن الضحك عليك وتمرير بعض الأمور الهامشية في مراحل معينة فإن ذلك من الأمور الجيدة التي قد تفيدك في رسم النهاية التي تريدها, وتوصلك إلى هدفك بسرعة وبدون أن تضطر إلى استخدام اللاءات الكثيرة.
كيف ذلك؟
هذا الأمر ينجح ويحقق هدفه حين يكون خصمك متعالي ومتكبر ومتعجرف ويمتلك أوراق كثيرة للضغط عليك.. وهذا حال من يفاوضنا اليوم.
كل ما سبق شرحه ليس من عندي وإنما ذلك مما عرف عن أسرار التفاوض وبراعة المفاوض الناجح, وهذه الأمور مجتمعة تندرج تحت مسمى صفات المفاوض الناجح (الذكي), في إطار إستراتيجية صارمة يعرف فيها المفاوض ماذا يريد وما الذي يمكن أن يتنازل عنه, هذه الإستراتيجية حققت أعظم النجاحات في مسارات المفاوضات وبرع فيها البريطانيين.
بالطبع كل ما ستمرره لخصمك ومن يقف أمامك على الطاولة لن يتعدى أبداء القبول والموافقة المبدئية دون إلزام نفسك بتوقيعات مرحلية تتناول الأمور الثانوية التي قبلت بها من حيث المبدأ.
عدم التوقيع على الجزئيات سيضمن لك عدم الالتزام بها قانونيا وإن قبلت بها ولن تكون حجة عليك في حال توقفت مسيرة المفاوضات في الطريق قبل أن تصل إلى هدفك الرئيسي والأهم في زحمة الأمور الأقل أهمية.
كما إن أداءك هذا سيكسبك بعض التعاطف من المشرفين على المفاوضات أو المراقبين لسيرها,
وبعد أن تشبع نرجسية خصمك بالأمور البسيطة والثانوية سينتقل التفاوض إلى الأمور الجوهرية والرئيسية, وهنا عليك أن تعكس الصورة تماماً, وستكون كل الأجواء مهيأة لك وذخيرتك التي احتفظت بها وافرة وتستطيع أن تبدأ الصيد وأنت في وضع مريح.
حينها وعندما تتغير من حالة اللين إلى حال الصلابة وتبدأ بالرفض أو المطالبة بقبول ما ستطرحه من رؤية, فإنك ستكون في وضع أفضل وتملك عدد من أوراق الضغط منها ما يضنه المفاوض المقابل مكاسب نالها واستطاع تحقيقها بذكائه وبراعته في استخدام أوراق الضغط التي احرقها في أمور غير مفصلية.
في هذه المرحلة أيضا ستكون في وضع أفضل منه, ومن ذلك انك في حل أمام المشرفين والرعاة من كل ما قدمته من تنازلات.. بل وستضع خصمك في موقف محرج, فإن رفض ما تتبناه بعد موافقتك وتمريرك لعدد من طلباته التي طرحها, فإن سيكون حريص على عدم خسارة ما حققه من مكاسب أرضت من يمثلهم ونال عليها الإطراء والإشادة من قبل المراقبين والمحللين والإعلاميين, هذه الأمور كلها سيجد أنها في لحظة ما مهددة إن لم يقدم تنازلات في مقابلها, وستصبح في خبر كان.
وهو بالتأكيد لا يريد أن يخسر النقاط التي كسبها, حينها سيضطر إلى أن يمرر لك بعض الأمور كي يتخفف من ثقل الضغوط والحرج وإشارات وملاحظات الرعاة والمراقبين, وهنا وبعد تحقيق بعض الأهداف الكبيرة وإن كانت في العدد قليلة إلى أنها في الميزان تساوي أضعاف ما حققه من الانتصارات التي سمحت أنت بها في المراحل السابقة.
وفي حال أنجزت كمفاوض ذلك فمن الأمور المهمة جداً أن تدفع بالأمور الأهم إلى المقدمة وتضعها على الطاولة وتضغط من اجل الفصل فيها بقوة, وأن تضع في حساباتك أن المفاوض الجالس أمامك قد يطلب استراحة أو تأجيل لبقية البنود المطروحة على الطاولة, وهنا تستخدم كل ثقلك وخبرتك وقدراتك وأوراق ضغطك من أجل مواصلة وإنجاز بقية البنود التي هي موضع تفاوض.
ومع تمسكك وإظهار صلابتك في هذه المرحلة فلا بأس من أن تعطيه فسحة للكسب الذي لا يحسب عليك خسارة مثلاُ: تتقارب معه في حل لإحدى الأمور بحيث يشعر أنه في اقل الأحوال متعادل معك, طبعاً هذا بعد أن تكون قد حبكت الأمر وأظهرت نفسك في محل الذي تنازل وضحى, ومن ثم تكرر الأمر في أمر أهم, وتعمل على تضييق هامش أي مناورة قد يقوم بها للتهرب أو التعطيل, وهكذا.
هذه الإستراتيجية كانت هي الأجدى ولأنجح في كل استراتيجيات التفاوض التي سجلتها كتب التاريخ القديم والحديث.
بالطبع أنا لست خبيراً استراتيجي أو صاحب تجربة في الشأن التفاوضي, ولكني مهتم ومطلع واعرف ما تمر به بلادي وأهتم لذلك, وهذا كله جعلني ابحث وأدقق واقرأ الوضع مئات المرات واضع الفرضيات والاحتمالات وأقلبها بين الحين والأخر حسب المستجدات.
وهنا وفيما يخص دور الأمم المتحدة والمهتمين بالشأن اليمني ونتائج المراحل السابقة للمفاوضات في جنيف 1.2 وفي الكويت 1.2.. وبناءاُ على تقييم واقع كل الأطراف والحالة المزاجية التي يعيشها كل طرف, وكيف يقدمون أنفسهم, خلصت إلى أننا أمام نموذج معتد بنفسه ويعتقد أنه الوحيد المسيطر والمتحكم بالأحداث, ويرى نفسه صاحب الامتياز في تقديم الفرضيات والحلول النهائية وأن لا اعتبار ولا وزن لأي طرف أخر.
هذه الحالة للخصم لو استغلت بشكل جيد من قبل فريق متمكن يعرف بالضبط ما يريده وما يمكن التنازل عنه فإن النتيجة حتماً ستكون باهرة, لذا من اللازم أن يكون مع الفريق المفاوض فريق أخر مجهز ومستعد ويكون في أعضائه من كل التخصصات - قانونيين - عسكريين – وأمنيين- واقتصاديين - واستراتيجيين - نفسيين- حتى اختصاصيين في التدريب على التمثيل - وإعلاميين وووو... الخ.
مهمة هؤلاء وضع الخطط والآليات التي ستسير عليها المفاوضات, وكذلك قراءة نفسية الخصم وافتراض ما قد يطرحه ويطالب به, والاستعداد لذلك وتهيئة الفريق المفاوض على الكيفية التي سيتعامل بها مع كل المفاجئات التي قد يبادر إليها الطرف المقابل, وكذلك وضع البدائل في حال اختنق أي مسار في مرحلة التفاوض, هؤلاء يكونوا قريبين جداً من الفريق المفاوض ومطلعين على أدق التفاصيل التي تدور, ساعة بساعة.
في الأخير من اللازم أن يكون أي مفاوض على إدراك تام بأنه لا يمكنه أن يحقق كل ما يريد, ولكن يجب أن تكون لدية العزيمة والإرادة في تحقيق أقصى ما يمكن من طموحه.

Facebook Comments APPID

 
Top