توقفت قيادة التحالف العربي ضد اليمن بقيادة آل سعود، عند تبني الحلول العسكرية على حساب الحلول السياسية، الأمر الذي يبرز أحادية التفكير عند الأسرة الحاكمة السعودية، واعتمادها على المسارات الأكثر دموية في محاولات محمومة لانتصارات وهمية.
عندما قررت السعودية استخدام الحل العسكري في اليمن كانت تراهن على أن عملياتها هناك لن تتعدى الأشهر، وهو ما ثبت زيفه بعد تجاوز مدة “عاصفة الحزم” وملحقاتها أكثر من سنة ونصف، ولم تستطيع المملكة خلالها فرض أجندتها السياسية على اليمن.
مجزرة الحديدة
لم تمر أيام على اعتراف السعودية بأنها من اقترفت مجزرة القاعة الكبرى منذ 3 أسابيع مضت، مبررة إياها بإحداثيات خاطئة، حتى قامت المملكة بارتكاب مجزرة أخرى في محافظ الحديدة باليمن، حيث أوقع العدوان السعودي إثر غارات لطيرانه عشرات الضحايا الذين سقطوا في مديرية الزيدية بمحافظة الحديدة غربي اليمن.
استهدفت الغارات عددا كبيرا من السجناء في إدارة أمن مديرية الزيدية في محافظة الحديدة، فيما أفادت مصادر يمنية ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان إلى 60 ضحية و38 جريحا، ومعظم الضحايا هم من نزلاء سجن إدارة الأمن بمديرية الزيدية، وكان قرابة 130 سجينا في السجن أثناء الغارات.
الكوليرا في اليمن
بعد القصف أطلق مكتب الصحة في محافظة الحديدة نداء استغاثة للتبرع بالدم وإنقاذ الجرحى الذين تم نقلهم إلى 3 مستشفيات، الأمر الذي يعكس تضرر القطاع الطبي في اليمن وعجزه عن تأمين أبسط متطلبات الصحة العامة، بسبب الاستهداف المستمر من قبل طائرات التحالف العربي للمستشفيات والمراكز الطبية، الأمر الذي دفع منظمات صحية كـ”أطباء بلا حدود” لتعليق جهودها في اليمن أكثر من مرة واستهجانها للغارات السعودية على مباني تابعة لقطاع الصحة.
غارات السعودية الصاروخية استهدفت المدنيين أيضًا وبشكل غير مباشر، فانتشار الكوليرا في اليمن، جاء كنتيجة مباشرة لتدمير المرافق الصحية كالمستشفيات والمراكز الطبية ومعدات المياه الصالحة للاستعمال البشري، لتضاف الكوليرا كأزمة جديدة للأزمات المتلاحقة في اليمن، بسبب تردي الخدمات الطبية بسبب الحرب المفروضة عليه.
وقالت منظمة الصحة العالمية، يوم الجمعة الماضي، إن عدد حالات الإصابة بالكوليرا المشتبه فيها في اليمن ارتفع إلى 1410 حالات بعد 3 أسابيع من الإعلان لأول مرة عن ظهور الوباء، والحالات المشتبه بها تتوزع على 10 محافظات من مجموع 23 محافظة في اليمن، وأضافت أن الوباء انتشر خصوصا في تعز وعدن ولحج والحديدة وصنعاء.
وقال مدير الرعاية الصحية الأولية في عدن محمد مصطفى، إن عدد الحالات المسجلة حتى الآن بلغ 374 حالة بينما توفي 10 أشخاص، مؤكدا استمرار العمل بالتعاون مع اليونيسيف والصليب الأحمر لرفع مستوى الاستجابة لوقف تفشي المرض.
كما نبه مصطفى، إلى أن أوضاع الصحة العامة في اليمن “متدهورة للغاية بسبب الحرب، حيث أصبحت معظم المرافق الصحية إما مدمرة أو عاجزة عن توفير النفقات التشغيلية، فضلا عن أحوال العاملين الصحيين الذين يزداد وضعهم سوءا يوما بعد آخر”.
وما يزيد من مأساوية الوضع في اليمن ويرفع مخاطر انتشار الكوليرا، هو وجود نحو 1.5 مليون طفل دون سن الخامسة مصابين بـسوء التغذية، وذلك وفق تقرير تابعة للأمم المتحدة، وهؤلاء هم أكثر الأشخاص عرضة للمرض، حيث إن الذين يعانون من سوء التغذية أكثر قابلية للمرض وعرضة للإصابة بالكوليرا.
وقالت منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة “اليونيسف” إن هذه الأزمة الإنسانية تسببت في احتياج 7.4 مليون طفل إلى مساعدة طبية علما بأن 370 ألف طفل يواجهون خطر التعرض لسوء التغذية الحاد.
الحلول العسكرية
مجزرة الحديدة، تأتي متزامنة مع الحلول السياسية التي تطرحها الأمم المتحدة لليمن، والتي تقضي بدور شرفي للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة توافقية تضم حركة أنصار الله، والمؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس السابق على صالح، وتسمية نائب للرئيس اليمني يتم التوافق عليه بالتزامن مع انسحاب حركة أنصار الله وقوات صالح من صنعاء.
وفي الوقت الذي قال فيه أنصار الله وحلفاؤها إن خطة السلام الأممية تشكل أرضية للنقاش رغم الخلل، قام الرئيس المستقيل هادي، برفض الخطة معتبرًا أنها “غير العادلة”، وهو ما يشكل انعكاسًا لموقف السعودية، التي تدعمه ماليا وعسكريا، ويبدو أن التصعيد السعودي الأخير الذي طال المدنيين في الحديدة اليمنية، رسالة غضب واضحة للأمم المتحدة وخطتها الأخيرة، تفيد بأن السعودية غير ملتزمة بأي حلول سياسية.
البديل