عمار محمود
..................
_1_
ثقافتنا كمجتمع عربي ما زالت تعاني مأزق التبرير في السلوك الإجتماعي والثقافي على مستوى النخبة وهذا مايجعل المرء يعيش محنة البحث عن موقف حقيقي يلبي نزعة الإستقرار على مستوى التلقي واتخاذ القرار !
بين ماهو محمود ومذموم ومُشَرّف ومُعيب وعقلاني ومتهور وباذخ مسرف وضانٍّ ممسك ..بين الحكمة والأناة والحلم والجرأة والإندفاع والتسرع بين الصبر والجزع والفزع بين العدل والظلم بين القوة والقدرة والبطش والعفو والثأر والقصاص ....هذه القيم تتحرك جميعها مثل موج البحر !
الرعية فقدت توازنها وهي تُصغي بانتباه الى التفسير الزئبقي لكل ماتقدم من فم الدعاة والفلاسفة والحكماء والبلغاء والشعراء والساسة والأمراء والوجهاء ....بين محمود النسب ومقطوعه ألف فكرة وفكرة ،،تارة تكبر ذا فتمجده وتارة "ليس الفتى من قال كان أبي" وكذا الحال مع العطاء المقرون بالكرم حينا وبالإسراف حينا...الفقر المحمود الذي يدخل الجنة قبل الغنى بنصف يوم الهي "500عام ارضي" والفقر المذموم الذي لو تشخصن رجلا لقتلناه.... وقد صار رجلا ولم يقتله أحد !
المنظومة القيميه تترنح بين قطبي المدح والذم وتُسخر بألمعية من يوظفها تبعاً لمنهجه مدعومة برونق الطرح وجاذبية الإستشهاد القصصي المستفز للعواطف أو المُحَذّر من العواقب لتعيدنا الى ذات الدوامه في بحر لُجّي من التصادم المعرفي بين الأشياء ونقائضها.
_2_
نحن حُكَماء حينما يتعلق الأمر بالآخرين، نُصدر أحكاماً ونقترح حلولاً، نُقدم خبراتنا ومعارفنا على طبقٍ من عسل الكلام ونضع اصابعنا على موضع الجرح ونواسي المفجوع بعزائم الصبر...نتدرج في انثيال أفكارنا ووسائل اقناعنا بودٍ ومحبةٍ وتسامح ، كل ذلك ونحن نستلقي في حدائقنا المنزوعة من سطوةِ تأثير التزاحم والتدافع وتقاسم المغانم وشهوة المصالح .
في ظل هذا الجو الرائق المترفق نتقن صنع الكلام ونؤمن بالممكن فناً قابلاً للمجايلة بمعناها المتحضر ونُرسّخ من قناعة أنّ الصراع حقيقةً أزلية استحكمت بها قوى أزلية وغذّتها شواغل دنيوية وهي لاتعني أزاحة الآخر بالضرورة،انما هو قانون كونيّ استجلى في أذهان البعض بالمعنى السطحي للصراع ،فَتَمَثلَهُ اغارةً على حقوق الغير واستثماراً للفوز وتطهيراً لمعاقل الخصوم وسلباً ونهباً وفرض شروط.
لكن ما ان يتدانى الأمر الى أسوار حدائقنا ونستشعر الخطر الذي غالباً ما نحسبه داهماً صوب معاقلنا ،عندئذٍ تنقلب الرؤى الى متاريس حجرية وشفافية الحوار الى تقاذفٍ وسِباب وحقوق الغير الى أسلاب يجب اغتنامها ومطالبنا حقوق مقدسة لاتشوبها الأباطيل ولا تقبل التعديل ، والقوانين رطانة سوفسطائية من جدل التأويل.
العالم المتحضر يمد جسور التلاقح الحضاري والتواصل المعرفي بدينامية الصراع الذي يُفضي الى المنافسة المنبعثة من رغبة الأرتقاء اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً لأجل أن يكون الأنسان أكثر رخاءً وسعادة .
أما نحن فيتجسّد الصراع لدينا مِعولاً للفتك وقوةً للهدم وازاحة الآخر وفرضاً قسرياً للأفكار ورغبةً للانتقام وامارةً تدين فيها الرعية بالسمع والطاعة لمولاها الأمير ،و...... أصلح الله الأمير!!!.