جميل مفرِّح
............
وبدأتُ أكتبُ...
في يدي كأسُ دمٍ أنقى من الياقوتِ
في رأسي مناحاتٌ وتابوتٌ قديمٌ
في عناويني اعترافٌ ضالعٌ في الحزنِ
في شعري نحيبٌ لا يجفُّ
على فمي حبرٌ أمرُّ من البكاءْ.
وبدأتُ أكتبُ...
لا أرى قلماً ولا ورقاً
ولا كفاً تطاوعُ ما أريدُ من الكتابةِ..
لستُ أدري أنني أجترُّ
حزنَ مدائنٍ
سرقتْ ملامحَها الخياناتُ العظيمةُ
واستبيحتْ في مداخل عشقها
الأحلامُ والآمالُ
والوعدُ المُضمَّخُ بالرجاءْ.
وبدأتُ أكتبُ...
فلنقل.. وبدأتُ أذرفُ
حزنَ صنعاءِ العتيقةِ فوق أوراقي..
أوزِّعُ في شوارعها اعتذاراتي
فأنكأُ جرحَها المفتوحَ
أقرأُ ما تيسَّرَ من قصيدتها عليها
علَّها تنسى دويَّ مواجعي..
علِّي أُبادلُها الوفاءْ.
وبدأتُ أكتبُ...
كي أقولَ لطائرِ الشؤمِ:
انتظر.. حلِّقْ بعيداً
عن براءةِ حلمها..
عن طفلِها المجروح..ِ
عن أسفارِ من كتبوا حكايتها..
عن التاريخِ حين يفوحُ من ياجورها..
وعن المشاقرِ والمآذنِ
والنشيدِ إذا تردَّدَ في مفارجها
أصاخَ السمعَ حُرَّاسُ السماءْ.
وبدأتُ أكتبُ...
بل أُفتِّشُ من أعالي القلبِ
عن قبسٍ ضئيلٍ
لم تطلْهُ يدُ الخيانةِ..
عن فراغٍ لائقٍ بالحزنِ
أسكبُ فوقَ بياضِهِ هذا الرثاءْ.
وبدأتُ....
أتعبُ....
إنما لا بأس يا صنعاء..
نامي..
ليس أكثرُ من بقايا طائرٍ
ما حطَّ فوق زجاجكِ المصقولِ..
....، ....،
أُغنيةٌ وأمنيةٌ وبعضُ قصيدةٍ
تكفي لتبتسمي
وترتطمَ الطيورُ ببعضِها
وينوءُ ربُّ الزيتِ والمازوتِ بالعارِ..
استريحي يا حبيبةُ
لم يعدْ في الغزوِ متسعٌ لقهركِ
فالتفاصيلُ الصغيرةُ لم تعدْ
مستورةً..
والعُهرُ أصبحَ في العراءْ.