GuidePedia



طلال قاسم كاتب يمني من مواليد 1984 محافظة إب، بدأ بكتابةِ هواجسهِ الوجودية في مقالاتٍ فلسفية قبل أن يتجهَ إلى كتابةِ روايتهِ الأولى «الواحد» عن المؤسسة العربية للنشر، يقولُ وجدتُ مجال الروايةِ جميلاً كوعاءٍ معرفي أكثر من كونهِ وعاءً أدبيًا، كتبَ رواية فيها من التعقيدات ما يكفي لتجذب قارئًا يكرهُ روايات سهلة تقدّم عروضًا مفصّلة ومبتذلة لأحداثِها لذا إذا دخلت مكتبة لاقتنائها ستجدُها على رفِ كتبِ الفلسفة وعلمِ النفس، وستصطدمُ برؤيةٍ جديدةٍ لبدايةِ التاريخِ البشري المتعارفِ عليها. 
 
شيزوفرينيا: 
 
يستيقظ إبراهيم ويجدُ نفسهُ في شقةٍ غريبةٍ أثاثُها غربي لا يشبهُ بيتهِ في اليمن، يتفاجأ بسيدتين (أمّه وأخته) تحدثانِه باللغةِ الإنكليزية وما يضاعفُ مفاجأته هو إجادته للتحدث بهذهِ اللغةِ الأجنبية التي لم يسع لتعلّمها يومًا، يرفضُ بطل الرواية تصديق حقيقة أنّه مواطن بريطاني رغمَ الأدلةِ الموجودةِ في كل مكان التي تشيرُ إلى أنّه جاك! سيقابلُ إبراهيم دكتورًا ذكيًا يدعى كارتر يجري عليهِ فحوصات وأشعة وتحاليل نفسية وتنويمًا مغناطيسيًا وستدهش الطبيب طريقة جاك لسردهِ تفاصيل حياتهِ السابقة بتسلسلٍ جيّد وحفظٍ أعمى للتفاصيل والأحداث وأماكن حقيقية في اليمن، اطلاعهِ الجيّد على الثقافةِ العربية وحفظهِ لأجزاءٍ من القرآنِ الكريم، يرشّح في البدايةِ مرضَ الفصام ثمّ فقدانِ الذاكرة ويحاولُ بطرقٍ كثيرة إعادته إلى حياتهِ الطبيعية. 
 
الواحد: 
 
قد يبدو العنوانُ بسيطًا ومُستهلكًا لكنّه يعبّرُ بقوةٍ عن مضمونِ الرواية، هكذا هي بعض العناوين لا تقدّر أهميتَها إلاّ بعدَ الانتهاءِ من قراءةِ الرواية، نقابلُ في منتصفِ الروايةِ شخصيات جديدة مثل سام، ويليامز وهومو وسنتعرف على منظمة سرّية تديرُ مصحة نفسية غامضة، تجري تجاربَها على أشخاصٍ تشتبه في كونهم الواحد بغية العثورِ عليه وإبقائهِ نائمًا، تحاول شخصية ويليامز إقناعنا بأنّ هذا العالم وهمي ولا يوجد إلاّ في حلمِ شخصٍ يكونُ الواحد ينتهي العالم باستيقاظهِ وكل شخصياتِ الرواية بمن فيهم نحن ليسوا سوى كينونات فرعية تنتمي إلى النقطة المركزية في وعيِ الواحد.. حتى يبدو جاك باعترافٍ من الكاتب على لسانِ شخصياته مثل إلهٍ بإمكانهِ نسف الكون والتحكّم بأقدار الكينونات الفرعية. 
 
جاك: 
 
جاك هو الشخصية المحورية في هذهِ الرواية، هو إبراهيم اليمني والواحد الذي يبحث عنه وينتمي إليهِ الجميع، يختصرُ كل من يبحث عن نقطةِ الضوء التي تقودهُ إلى نهايةِ النفق.. جاك يكونُ المسيح أيضًا في حياةٍ سابقة وآدم! الإنسانُ الأوّل الذي سئم من حياةِ الجنّةِ ونامَ تحتَ شجرةِ المعرفة وحلمَ بهذا العالم وتناقضاتهِ، زاره إبليس مرتديًا ثوب الحكمة ولم يوسوس له كي يأكل من الثمرةِ المحرّمةِ بل حاوره بعقلانية وكشفَ لهُ خياراته، إمّا البقاء وإمّا الهبوط وعندما اتخذ آدم قرارهُ برصانةٍ، لم يغضبِ اللهُ منه ولم يلعنه بل باركَ حريته واحترمَ خياره وطلبَ منه التحلي بالمسؤوليةِ تجاهَ هذهِ الحريةِ. 
 
أدوات طلال قاسم: 
 
وضعَ الكاتبُ اليمني بصمتهُ في الروايةِ العربيةِ بحيثُ يتميز بلغةٍ سردية راقية وجملٍ قصيرة تخدمُ النفَسَ الروائي الطويل وأفكارٍ عميقة تذهبُ بالقراءِ إلى متاهاتٍ فلسفية ووجودية، يلامسُ المتصفح جرعة قوية من الخيال العلمي وتأثيرًا كبيرًا لمجالِ علم النفس على طبيعةِ الأحداثِ وتركيبةِ الشخصياتِ وصراعاتها، الأسلوب مشوّق وسينمائي والفصول متسلسلة كأنّها نصٌ واحدٌ طويل لم يتوقف الكاتبُ للحظةٍ عن كتابته، استخدمَ طلال تقنية الراوي العليم، وعلى الرغم من أنّها تقنية قديمة يتجنبُها كتّابُ اليوم إلاّ أنّها لم تؤثر سلبًا على سياق الأحداث فلا يشعر القارئ بتدخلٍ حقيقي من الكاتب في مسارِ شخصياتهِ، ربما يجدُ قارئ واقعي صعوبة في متابعةِ هذهِ الروايةِ الخيالية كما قد يستاء من التكرار الذي ملأ بهِ الثغرات بين فصلٍ وآخر حتى لا تكون القفزات سريعة، أمّا النهاية فكانت مفاجئة ومناسبة بغض النظر عن أنّها تبدو مثلَ تبريرٍ من الكاتب لقرائه كي لا يتّهمَ بالإلحادِ. 

نقلاً عن القدس العربي

Facebook Comments APPID

 
Top