سفيان السالمي
استلقيت على سريري وطلبت من المكيف أن يقوم بدوره
فالحرارة في مكة تجاوزت 45 درجة ، أكاد اختنق من هذا الحر
قرأت الفاتحة الى روح كارير مخترع المكيف
أمسكت تلفوني اتفحص الذاكرة والصور كما افعل كل يوم
فقد أدمنت هذا التصرف
طبعا" كل صورة ثابتة من القرية تجعلني امتطي صهوة الحنين
وأعود الى لحظات كانت فيها الصورة حية
وفي كل الصور نفس الطقوس ؟
متى التقطت ؟
ومن كان بقربي عند نسج خلايا الصورة ؟
حتى تلك الكلمات والضحكات والتعليمات التي رافقت التقاط الصورة
لازالت عالقة بذاكرتي
كل شيء حول الصورة
حتى تتشكل رواية مستقلة لكل صورة .
وجدت صورة في أحضان ملف كنت أمر عليها دون تركيز فجأة وكأن زلزال
يركض في عروقي ، هزة أيقظت روحي
وسرت برودة غريبة في جسدي
بدون استئذان وجدت نفسي مسافرا" الى الماضي تشدني الذكريات
بقوة
تعطلت كل قوانين الكون وتحقق حلم إنشتاين
السفر عبر الزمان الى الامس رجعت الى المكان الى قبل التقاط الصورة
؟
بدأت الاستعدادات والترتيبات تلوح في السماء
كل التغيرات في الطقس تبشر بميلاد روح الحياة
مهرجان مقدس يصاحب هذا الميلاد ؟
الغيم الطيب يتحرك ببطء محملا" ببذور الحياة
غمزت الشمس والابتسامة في وجهها كإشارة منها للاختباء بعض الوقت
أشاهد وأتلذذ بكل تفاصيل هذا الميلاد المقدس
قطرات المطر تنساب على مراحل من عيون الغيم
قطرات تتلاحق بخطوط مستقيمة وكأنها مسبحة سماوية تتدلى الى الارض
نقش مقدس يتكون الان في جبين الارض وبلل يلطخ خلايا المكان
بعض الطيور المشاكسة تتراقص وتشاكس وتتغزل مع اقرانها وتغني
نشوة عارمه تسيطر على كل شيئ
آه انها تمطر
أعشق هذه الكلمة حد الهيام
الجميع يسرعون للاختباء
النساء تصعد سطوح المنازل لتغطية فتاحات مخصصة لخروج دخان المطابخ
الاطفال يركضون هربا" نحو منازلهم كما قال لهم الكبار
حتى ذلك الراعي يحشر اغنامه في اقرب كهف
وتلك الجدة تتمتم من غرفتها وقطرات المطر تتسلل عبر سقف غرفتها
المتهالك ببعض الادعية وتطلب من الرب الرحمة والبركة
لا احد في الخارج كلهم يهربون وكأن القادم مرعب
انه المطر لماذا تهربون اصرخ دون جدوى
هيا بنا يا صديقي نتقدم نحو الحقول لا تخف فهذه هوياتي المفضلة
لحظات عناق المطر والرقص على انغامه احساس لا يوصف
شعور نادر ان تجده
هل تحب ان تشعر بالحب يسري في عروقك والسعادة تطل من احداقك تعال
معي
تشجع وركضنا بعيدا" عن القرية
الرعد ، البرق ، قطرات المطر سمفونية مقدسه
انها الحياه التي سنرحل منها ذات يوما بدون شك
انها غاليه جدا والتعساء من يغيبون خوفا" عن حضور هذا
المهرجان السماوي
مهرجان يجعلك تشرب نبيذ السفر بين الكواكب
وحدنا نركض ونغني احرار
سلاطين لهذا الجزء من الكوكب كان شعورنا
صعدت على صخرة احاول الطيران اكثر احاول تقبيل خدود الغيم احاول ارتشاف
الماء من شفائف السماء
فجأة التقط صديقي الصور دون علمي وضحكته تصطدم بالصخور والاشجار
وتعود نقية الينا
آه آه ....ما اروعها من صورة يا صديقي
أعشق قريتي ولن افارقها ما حييت
جاوبني صوت غريب من اعماقي
وكأن قارئة فنجان الغيب تسكن روحي
ستغيب عنها كثيرا" يا ولدي كثيرا" في المستقبل
دون إنذار رن جرس هاتفي وخرجت من الصورة
بدأ مهرجان الدموع من عيوني
شوقا" للوطن وذلك الزمان الذي التقطت فيها الصورة
وسقطت أمطار كثيرة وتبللت مخدتي
* * *