بقلم/ ماجد زايد
في مفهومها الوجداني، تعد الصداقة حاجزًا منيعًا في حياة الإنسان، للحيلولة دون سقوطه الأخير بـثنايا اليأس والإحباط، الصداقة غاية إنسانية نبيلة، وتكامل بشري بين شخصين، ومحبة متبادلة بين الأنا والغير، ونجاة من وعورة الحياة وأفخاخها، وهي من الأمور الإنسانية المهمة لتحقيق حياة أمنة ومستقرة وقوية وسعيدة، خصوصًا في فترات التعقيدات واليأس العام والصراع البشري من أجل الوجود، هذا المفهوم الخالص والنبيل للدلالة على علاقة التفاعل والانسجام والتجاذب المتبادل بين طرفين إجتمعا على الإحتفاظ ببعضهما وحماية حياتهما بأنفسهما، صداقة تغنيك عن التشرد والضياع، والخوف والحرمان، وإنعدام الحظن والمواساة، وتعينك في مواجهة الأخطار والأزمات، صداقة الحب والتماهي الشعوري، صداقة الحب والإخلاص والتفاني، وهي بلا شك تختلف عن صداقات اللذة والمنفعة والإستغلال.
وبحسب أرسطو: صداقة المنفعة عرضية تنقطع بانقطاع الفائدة، وصداقة اللذة معقدة وتنحل بسهولة بعد إشباع اللذة أو تغير طبيعتها، أما صداقة الفضيلة فهي الخالدة، وهي الباقية، وهي أفضل صداقة بشرية تقوم على أساس تشابه الفضيلة والأخلاق.
معظم النتاجات الأدبية تكرس هذه القيمة الاجتماعية وتفرز لها اهتماماتها من الحيز الواضح، ولعل مشهد تبادل قطرات الدماء بين الأصدقاء بمعظم الروايات والحكايات يعد من أكثر المشاهد الرومانسية إثارة وبقاء في الذاكرة، عن أشخاص تعاهدوا فيما بينهم على الثقة والوفاء والتفاني، وعلى اللجوء لبعضهم في فترات الخوف والإنهزام، والثقة في حرص كل واحد منهم على مصالح الآخر، واحترام الصديق والاعتقاد في حسن تصرفه، ومساعدته بكل أحواله، وفهم شخصيته ومبادئة واتجاهاته وتفضيلاته ودوافع سلوكه، والتلقائية في التعامل معه، وشعور كل واحد منهم بأنه على طبيعته في وجود الآخر.
قال لا أدري الآن! لأن الدنيا مقبلة عليّ والناس كلهم أصدقائي، وإنما أعرف إذا أدبرت عني الحياة، فخير الأصدقاء من أقبل إذا أدبر الزمان عنك، هكذا قال أحد حكماء العرب.. ليأتي ميخائيل نعيمة ويضيف قائلًا: متى أصبح صديقك مثلك بمنـزلة نفسك فقل عرفت الصداقة، وميلتون أحد فلاسفة الماضي يقول عنها: الصداقة الوجه الآخر غير البراق للحب ولكنه الوجه الذي لا يصدأ. وأيضًا: مزج السياسة بالصداقة غالبا ما يشكل خاتمة للصداقة. كما بقول ديو هرس، تمامًا كما يقول المتنبي:
أصادق نفس المرء قبل جسمه
وأعرفها في فعله والتكلم
وأحلم عن خلي وأعلم أنه
متى أجزه حلمًا على يندم
والكثير الكثير مما قيل عن فضائلها، ولكن أهم ما يشدني هنا للكتابة عنها، تأتي في كون الأصدقاء تعويضًا إنسانيًا في حيات الإنسان عندما تستفرد به مشقات الحياة، فتصيبه في مقتلها، الصداقة بمعنى أن تجد من يسمعك، ويخفف عنك، ويقاوم لأجلك، ويتحدى كل نواميس الكون في صالح بقاءك، صداقة الدم والحب والإحترام المتبادلة.
الصداقة الحقيقية، كالأم الحقيقية، ليس لها يوم معين، بل هي للحياة وفي الحياة بأكملها، وهي الجدار المنيع، والجبل العالي، والقوة الجبارة في مواجهة السقوط البشري واليأس المتراكم والمخيف، الصداقة من أجل التكامل والحياة والمواجهة والفترات الأشد ظلمة، وعليه نحن أمام واقع شاق، وفترة صعبة، وأزمة مدمرة، ووحده اليأس ما يحلق صباح كل يوم حولنا، وفوق رؤوسنا، وهذا ما يدعونا للهروب الدائم باتجاه الصداقة على أمل النجاة مما وقعنا فيه..
أخيرًا، ثقوا بي، وصدقوني، وإبحثوا عن الصداقة في حياتكم الباقية، لينجوا كل واحد منكم بصاحبه.
ناشط وكاتب يمني