GuidePedia




عبدالحميد الكمالي
شعوب كثيرة خاضت حروب مثل التي نعيشها حالياً حدثت بها مجازر كبيرة 
وقتلى أبرياء ومجاعات إنسانية ونزوح للأهالي و تدمير منازل فوق ساكنيها وشهداء أطفال ونساء وشيوخ  وانتشار وباء فكان من نصيبنا الكوليرا وقصص معارك بين كر وفر وصمود ونصر وتصريحات  ومواقف بطولية وصناعة أبطال وخونة لكننا نختلف عن تلك الشعوب جذرياً فهم لم يصمدوا في الحروب التي خاضوها كثيراً ولكننا نعيشُ رغم ما يحدث , فهم لم يكونوا يمتلكون الإنسانية مثل التي يمتلكها الشعب اليمني وهو في عمق الحرب....
في يوميات الحرب التقيت بشاب من الفئة المهمشة والذي يعمل كعامل نظافة وهو يترك عمله ويقوم بإيصال رجل أعمى , على مشارف الخمسين , ليصل لمنزلة كنتُ أراقبة بشغف ليس لمساعدة الأعمى لكن للمودة التي كان يلقيها للأعمى وهو يسير به نحو منزلة وأنا أعرف أن الشاب لم يتسلم راتبه الزهيد لكنهُ ظهر عكس ذلك تماماً, كان الفضول يسيطر على خيالي ولم يبددها سوى عامل النظافة ذاته وأنا أطرح تساؤلاتي ما سر البهجة التي قابل بها الأعمى ...؟ , كان يخبرني  , أنها المرة الثانية التي يلتقي بها بالرجل الأعمى  , وأن الأولى كانت حينما أخطأ الرجل الأعمى  ودخل مبنى لتعليم اللغة فقام مديرها بطرده بطريقة مهينة رغم شهادة الدكتوراة التي تحصلها من دولة التشيك ,  كنت اقاطعُ عامل النظافة لأساله من إين هو فأخبرني بسلسلة من الضحكات أنهُ من ( تشيك اليمن ) قبل ان يوضح لي انهُ من ذوي البشرة السوداء ويسكنُ في شعبة المهمشين في إب  ....
كان الشاب يصنع حيرة أخرى بداخلي وهو يصفُ فيما بعد دولة التشيك وكيف استقلت من يوغسلافيا وأن الحصول على شهادة الدكتوراة منها لا تغنيه عن أخذ شهادة انتماء لهذا الوطن وأخلاص للوطن بمختلف طبقاتهم وانتماءهم وألوانهم فيكفيه أن ينتمي لهذة الأرض , كان  الشاب   ذو البشرة السوداء يحمل شهادة الثانوية أكبر من الشهادات العليا في الخارج كان بحجم وحلم وطن وهو يساعد يمني أخر في ظل الحرب رغم قسوتها عليه وهو الذي لم يتسلم راتب تعاقده منذ أشهر وطفلتة الأخرى تعاني ارتفاع في الحرارة المفاجئ ولم يستخدم لها سوى الكمدات الباردة  , وزوجته التي تعاني من نقص في التغذية تنتظرُ منه أدوية عاجلة , رغم ذلك كان تعامله إنسانياً مع الرجل الأعمى بعيداً عن كل ما يحدث ....
موقن تماماً أن الحرب لن تصمد أمامنا ونحنُ نمتلك مثل هؤلاء الشباب وأن الحرب ذاتها تخجل أذا صادفت أحدهم وهي تبشرهم بالنصر .


Facebook Comments APPID

 
Top