GuidePedia


محمد غبسي
.................


اقتربت منا مروحية تابعة لقوات التحالف الذي يقصف اليمن ، كنت أجلس القرفصاء الى جوار خمسة أشخاص في منعطف ترابي أعلى هضبة ، كانت أمامهم مجموعة رشاشات حديثة ملقية على التراب ، قد يكون وجودهم في المكان مصادفة ، و ربما كانوا عسكريين بزي مدني !
كلما أعرف أنهم تبعثروا بمجرد ظهور المروحية تاركين الأسلحة في مكانها ، ألتفت شمالاً ويميناً بحثاً عن صخرة للإختباء وراءها ، سارت بي قدماي نحو جرف صغير ، ومع اقتراب المروحية تسلقت الى أعلى الجرف الذي لم يستطيع صد الرصاص القادم من المروحية بكثافة ، فجأة توقفت المروحية أمام الجرف لينزل منها جندياً مجهزاً بكل أدوات الموت والرعب العسكرية ، صوب بندقيته نحوي فتزحلقت من أعلى الجرف لأقف أمامه مباشرة ، في ذروة العجز عن الكلام قلت له : أنا لست هدفك..
ليرد قائلاً : بل أنت الهدف 
وأنا ابكي كطفل أقسمت له بأني لست الهدف 
قال : من أنت إذاً وماذا تفعل في هذا المكان ؟
أجبته : أنا صحفي وكلما أعرف أنني هنا ولو كنت عسكرياً أو محارباً لما تمكنت من العثور عليّا بهذه السهولة ، 
رد بقسوة مصطنعة في محاولة منه للتخلص من إنسانيته قائلاً : أنا جندي ويصعب عليك خداعي 
وقد جفت الدموع من عيني أقسمت له مجدداً بأني هدف خاطئ وسألته : هل تعرف أيضاً لمَ أنت هنا الآن ؟
نزع خوذته قائلاً أنا هنا وتقطع صوته...بدأت الدموع تتساقط من عينيه وهي مليئة بالأسئلة وعلامات التعجب ، 
بدا شاباً وسيماً في العشرينيات من عمره ، كأنه بطل " التايتانك " إنما ليس في مهمة إنقاذ هذه المرة ، فقد جاء كقاتل مأجور في فيلم " جزار نيويورك " بملامح ولغة عربية .
سألني مجدداً : هل لديك أطفال ؟
أخبرته بأن لديّ ثلاثة أطفال .
نزع قشطة الرصاص من مسدسه وألقى بها على الأرض وبدأ يصرخ باكياً ودموعه تنهمر بغزارة وكأنه يريد الإنتحار...
نزل المزيد من الجنود الذين استغربوا تأخر زميلهم في تنفيذ مهمته الصغيرة ، حاولوا تحفيزه بعدة جمل عسكرية لا رحمة فيها ولا مشاعر إنسانية ، لكن بعد فوات الآوان .
بدأت أشفق عليه وهو يتألم ويضرب صدره بمسدسه ، أخذت قشطة الرصاص وأعطيته إياها قائلاً له : اكمل مهمتك...
أخذها ووضعها في المسدس بعد أن أفرغ منها رصاصة واحدة وهو عاجز عن تنفيذ مهمته وعاجز أيضاً عن العودة الى المروحية التي تنتظره قبالة الجرف .
صحت في وجهه إذا لم تستطع فدع أحد زملائك ينفذ الأمر ، أنا مقتولٌ لا محالة كمئآت الأبرياء الذين تقتلونهم في منازلهم ، هل لديك فكرة كم طفل قُتل في حربكم هذه ؟
هل تعرف كم أصبت وأنت تحلق في فضاء الموت لتقصف أهداف خاطئة ؟
ماكان عليك أن تنزل من الطائرة ، فمهمتك كبقية زملاءك القتل عن بعد وليس مرافقة الرصاص الى صدور الضحايا ..!
تلاشى صوته وأنا أحاول وضع اصبعهُ على الزناد ، توقف كل شيء عند هذه اللحظة ، عند هذه الصورة التي لم يحدث بعدها أي شيء ، استيقظت مع انبلاج الفجر في غرفتي واستيقظت صغيرتي وجاءت تعانقني وكأنها تعرف بأنني نجوت للتو من معركة تابعت كل تفاصيلها .
"
حمداً لله على سلامتي " قلت لنفسي وأنا أحتضن صغيرتي وأنظر بفرحة عارمة الى أبنائي وزوجتي ، وبدأت أراجع أحداث القصة كمادة صحفية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد غبسي
31/7/2015
م

Facebook Comments APPID

 
Top